Удар по Александрии
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Жанры
من حملة إلى حملة
1780-1880
قبيل الحملة الفرنسية كانت مصر مستقلة وظلت على استقلالها عن الدولة العثمانية بضع سنوات، نادى باستقلالها عن الدولة «علي بك بلاط»، الذي اشتهر باسم «علي بك الكبير»، ولكنه أخفق في محاولته؛ لأن أعوانه وغير أعوانه اعتبروا هذا الاستقلال مطمعا شخصيا ليس له سند مشروع باسم الخلافة أو باسم الشعب المحكوم. وكان معظم أهل الصعيد منكرين لولايته، وتنكر له كثيرون من أتباعه بعد استعانته بالأسطول الروسي على حرب الدولة العثمانية، فلم يدم استقلاله أكثر من ثلاث سنوات - من سنة 1769 إلى سنة 1772.
وقدم «نابليون» إلى مصر معتبرا بهذا الدرس من ناحيتيه ... فأرسل سفيرا له إلى الآستانة يسترضي السلطان عن حملته، ثم جمع العلماء والأعيان في مصر وعول على تأييدهم في غارته على المماليك المفسدين في الأرض، المارقين من طاعة السلطان، معلنا في منشوره الأول: «من الآن فصاعدا لا ييأس أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية وعن اكتساب المراتب العالية، فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيديرون الأمور، وبذلك يصلح حال الأمة كلها.»
ولكن أهل القاهرة ثاروا عليه قبل انقضاء شهرين على احتلاله. وليس بصحيح أن هزيمة الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير التي دارت بينه وبين أسطول نلسون هي التي دفعت الشعب المصري إلى الثورة؛ فإن جيش نابليون بقي على قوته في مصر بعد الهزيمة، ولم يحدث من أثر الهزيمة البحرية ما يضعفه في نظر المصريين. وإنما ثار الشعب لأنه كان يتحفز للثورة بعد تسليم المماليك، وبعد أن أخلف نابليون وعوده في ذلك المنشور.
على أن «نابليون» فهم بعد الثورة على الخصوص أن القوة العسكرية وحدها لا تغنيه في سياسة الأمة المصرية، فأنشأ في مصر مجلسا شوريا يسمى بالديوان الوطني قوامه تسعة من العلماء والوجهاء.
وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر في «21 يونيو سنة 1798» وخرجت منها في «18 سبتمبر سنة 1801»، ومن أثار هذه الحملة في السياسة المصرية المقبلة أن خروجها كان على يد قوة تركية وقوة إنجليزية، وأن القوة الإنجليزية فارقت مصر بعد جلاء الجيش الفرنسي، فاعتقد بعض الساسة المصريين أن دخول الجيش الإنجليزي إلى مصر مأمون العاقبة في أمثال هذه الظروف؛ لأنه يدخل إليها وهو على نية الخروج!
وأهم الحوادث التي ارتبطت بمركز مصر السياسي بعد الحملة الفرنسية ولاية «محمد علي الكبير» على مصر باختيار الأمة المصرية وبناء على مشورة علمائها ووجهائها. وكانت عبرة «علي بك بلاط» أو «علي بك الكبير» ماثلة في الأذهان، فاجتنب «محمد علي الكبير» غلطاته ولم يقبل الحكم إلا بعد الاطمئنان إلى الشعب والزعماء في مصر السفلى ومصر العليا، وحاذر جهده أن يعتمد على معونة علنية من دولة أجنبية. ولما كتبت الدولة العثمانية إلى واليها «خورشيد باشا» تأمره أن يعيد «محمد علي» وجنوده إلى بلاده أظهر «محمد علي» الطاعة واستعد للرحيل ولم يعدل عن السفر إلا برجاء من طائفة من كبار العلماء والرؤساء أحلوه من هذه المخالفة في انتظار الموافقة من السلطان.
وقد جاءت الموافقة السلطانية إلى مصر - في شهر يوليو سنة 1805 - ولمس «محمد علي» أثر المعونة الشعبية في مقاومة الحملة التي أنفذتها الحكومة الإنجليزية إلى مصر بعد توليته عليها بأقل من سنتين؛ فإن مزاحمه «الألفي بك» لم يتعلم ما تعلمه «محمد علي» من درس «علي بك الكبير»، فأرسل إلى إنجلترا يستنجدها على الدولة العثمانية وعلى المماليك، فجاءت حملتها بعد وفاته، وكان وصولها إلى رشيد و«محمد علي» مشغول بقتال المماليك في أسيوط ، فتصدى لها الفلاحون والعرب وحامية المدينة الصغيرة وأبادوها على آخرها. وأمر شيخ الأزهر طلابه بترك الدروس والانتظام في الجيش، وجمع السيد «عمر مكرم» أكثر من ألف كيس لنفقات الدفاع. وقد تخوف «محمد علي» من العاقبة، فأعد العدة للمقاومة وللمفاوضة، وساعده الجد الناهض، فانهزمت النجدة الإنجليزية بعد مناوشة يسيرة، وقفلت إلى بلادها وكل ما ألحقته بالإسكندرية وضواحيها من الضرر أنها أعادت إطلاق الماء الملح على بحيرة مريوط، ولو وجدت في مصر عونا من المماليك أو من الشعب لما ارتدت بهذه السهولة بعد طول التربص والانتظار في الإسكندرية.
ومن الراجح جدا أن إنجلترا كانت تعاود الكرة لو حلت بها هزيمة كتلك الهزيمة في ظروف غير ظروفها الداخلية والخارجية في تلك الآونة، ولكنها كانت مشغولة يومئذ بما هو أهم لديها وأخطر عليها من المسألة المصرية: كانت مشغولة بتأليب الدول الأوروبية على نابليون، وكانت سياسة «التأليب» تضطرها إلى مصانعة روسيا وتأجيل كل عمل من شأنه أن يفتح باب المسألة الشرقية على مصراعيه. وعرضت لها في الوقت نفسه مشكلة المستعمرات الإسبانية في أمريكا الجنوبية، ووافق الزمن ثورة الصناعة الكبرى وتنبه الأفكار إلى إصلاح الحياة النيابية وتوسيع حقوق الانتخاب للطبقة العاملة، وقد مضت المدة بين 1807 وسنة 1832 في شواغل كبرى تملأ فراغ السياسة البريطانية؛ منها: أزمة الحصار البحري التي اشتركت فيها الولايات المتحدة بأمر «حظر التصدير» إلى كل من بريطانيا وفرنسا - سنة 1807 - وحروب نابليون التي انتهت في سنة 1815، ومذهب منرو الذي أعلن في سنة 1822، وتعديل نظام الانتخاب الذي تقرر في سنة 1832، فانقضت هذه الفترة - وهي ربع قرن - وإنجلترا عاجزة كل العجز عن الاستقلال بعمل قوي في المسألة المصرية، وقصرت سياستها في هذه المسألة على اغتنام الفرصة الدولية كلما جرت في مجراها وطابقت أغراضها. وفي هذه الفترة نشبت الثورة اليونانية، واستعانت الدولة العثمانية بجيش مصر وأسطولها لقمعها في مقرها، وسنحت للسياسة البريطانية فرصتها الأولى، فدعت الدول إلى عقد مؤتمر لندن - 1827 - الذي اتفقت فيه إنجلترا وفرنسا وروسيا على فصل اليونان من تركيا مع بقاء السيادة التركية، وكانت هذه المعاهدة حجة صالحة لتحطيم الأسطول المصري في ميناء نوارين والتخلص من هذه القوة البحرية الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، وزادت فرنسا، فأرسلت جيشها إلى بلاد المورة لإكراه الجيوش المصرية على إخلائها.
Неизвестная страница