Удар по Александрии
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Жанры
إلا أن «دلسبس» قد استخدم كل ما في جعبته من الوسائل لإقناع «سعيد باشا» بفوائد مشروعه وضمن ذلك خطابه التاريخي الذي يحسن بنا إثباته في هذا المقام بقليل من التصرف لبيان وجهات النظر التي مثلها أو تمثلها القائمون بحفر القناة قبل الشروع فيه، قال: «طالما اهتم أقطاب العالم - ولاسيما ملوك مصر - بالصلة بين البحرين الأحمر والأبيض، ومنهم «سيزوستريس» الأشهر و«الإسكندر الأكبر» و«يوليوس قيصر» و«عمرو بن العاص» و«نابليون الكبير» ووالدك العظيم. وأفلح بعضهم فوصل بين البحرين بترعة تمتد من النيل بقيت فترة قبل الهجرة المحمدية بنحو تسعة قرون ثم أهملت وانقطع عنها ماء النيل وظل منقطعا إلى أن أعيد بعد ذلك. وبقيت الترعة زهاء أربعة قرون ونصف قرن صالحة للملاحة في أيام البطالسة حتى علاها التراب في القرن الرابع قبل الهجرة وجاء «عمرو بن العاص» فأصلحها وجرى الماء فيها مائة وثلاثين سنة ...
ولما قدم بونابارت إلى مصر ود لو أمكنه إعادة الترعة وأن تقترن شهرة هذا العمل العظيم بشهرته ... فندب للبحث في هذه المسألة كبار المهندسين وعلماء السير والآثار ... وطلب إليهم إبداء الرأي في إمكان التوصيل بين البحرين من غير طريق النيل وإحصاء تكاليفه ... فكتب أحدهم مسيو لوبير تقريره ... ووقف بونابرت على تكاليف المشروع فاستعظمها ... وتمنى لو تأتى للدولة العثمانية أن تصل بين البحرين فتدل بذلك على حياتها وتنفي الشبهة عن بقائها وتسدي للحضارة يدا لا تنساها ... ولا يخفى أن اتفاق دول أوربة على رد العدوان على الآستانة وبقائها في يد الدولة ... إنما يرجع إلى موقع خليج السويس بين البحرين وخوف الدول من تسلط إحداهن عليه فتقوى على غيرها ويختل التوازن بينها وبين نظيراتها ... فكيف لو تمت الصلة وقبضت مصر على مفاتيح العالم؟! إن الدول إذن تجمع على حرية هذا المجاز ولا تسمح لغير الدولة العثمانية بالسيادة عليه ...»
ثم استطرد المهندس الفرنسي إلى مسألة الأموال والأيدي اللازمة لحفر القناة، فقال: إن مسيو لوبير منذ خمسين سنة قدر عدد العمال بعشرة آلاف ينجزون حفرها في أربع سنوات ... وإن مسيو تلابوت منذ عشر سنين استحسن أن تمتد القناة إلى القناطر الخيرية فالإسكندرية وقدر تكاليف إنجازها بنحو مائة وثلاثين أو مائة وأربعين مليون فرنك، يضاف إليها عشرون مليونا لإنشاء الميناء بالسويس ... ثم ذكر أن مهندس القلاع الفرنسي في عهد «محمد علي» وضع رسما للمشروع وكتب عنه تقريرا عاونه فيه المهندسان الفرنسيان لينان وموجيل ... وتبين من جميع هذه البحوث أن المشروع «عملي» قابل للتنفيذ محقق الفائدة خلافا لما وقر في بعض الأذهان.
ثم تكلم عنه من الوجهة الدولية، فذكر من أسباب معارضة إنجلترا له أنها تريد أن تستأثر بالسيادة البحرية ولا تحب التقدم لغيرها مع أنها تملك أهم المواقع البحرية في العالم كجبل طارق ومالطة وجزائر الأرخبيل وعدن وسنغافورة وأستراليا فلا ضرر عليها من التقريب بين البحرين، وقال: إن ابتداء العمل فعلا خليق أن يحسم الخلاف ويحمل الدولتين إنجلترا وفرنسا على قبول الاستمرار فيه، أما الدول الأخرى؛ فالنمسا قد اعترفت بحرية الملاحة في نهر الدانوب، والمجر ترحب بالقناة لأنها عظيمة النفع لميناء تريسته والبندقية، ولا ينتظر من روسيا معارضة في حفر القناة؛ لأنها تروج تجارتها ، ولا من الولايات المتحدة؛ لأنها تؤكد العلاقة بينها وبين الهند والصين، ولا من إسبانيا؛ لأنها تيسر مواصلاتها مع جزر الفليبين، ولا من هولندة لأنها تيسر مواصلاتها مع جاوه والصومال وبرنيو ... فالعالم كله يسعد بفتح هذه القناة ... وما من أحد ينظر إلى موقعها الخالي من الخريطة إلا اندفع شوقا إلى الأمل في محو ذلك الخلاء.
ولم يكد خبر الموافقة على مقترحات دلسبس يسري إلى أوربة حتى تناولته الصحافة الإنجليزية، وفي مقدمتها الصحف الهزلية، بالتسخيف والتقريع، واتهمت دلسبس بالدجل ونبزته بألقاب السخرية وأطلق عليه بعضها لقب سيزوستريس القرن التاسع عشر، وتساءلت: من هذا الذي يريد في هذا العصر أن يعيد أساطير الأولين؟!
وقد كان أخوف ما يخافه «سعيد باشا» أن يغضب إنجلترا وأن يستهدف لمكائدها في الآستانة، فسأل قنصلها عن رأي دولته فلم يسمع منه اعتراضا؛ لأن إنجلترا كانت في تلك الفترة شديدة الرغبة في مرضاة فرنسا لمقاومة روسيا في غارتها على الدولة العثمانية، وبعد أخذ ورد ووعد وتسويف صدر الإذن (يناير سنة 1856) بالبدء في حفر القناة، ولكنه لم يبدأ قبل انقضاء ثلاث سنوات.
ويرى القراء مما تقدم أن دلسبس قد استغل موقف الدول من «محمد علي» في سنة 1840 لإقناع خليفته بمزايا فتح القناة في بلاده، فاعتقد «سعيد باشا» أن وجود هذا المجاز العالمي في مصر ضمان لها من عدوان إحدى الدول عليها، كما كان وجود الآستانة بين مضائق البسفور والدردنيل ضمانا لها من هجمات روسيا ومصر عليها، واعتقد أنه اتخذ الحيطة الكافية لإعلان حرية القناة وحيدتها العالمية بالنص في «الرخصة» على تأليف شركة دولية تجمع كلمة الدول على مباشرة العمل فيها.
غير أن شروط الاتفاق كانت في جملتها مجحفة بمصر وشروط تنفيذها أشد إجحافا؛ لأنها أوجبت على مصر أن تنزل للشركة عن الأرض التي تحف بضفتي القناة، وأن تسمح للشركة ببيع الماء العذب من الترعة التي تمدها إلى الإسماعيلية، وأن تسخر للشركة أربعة أخماس العمال المشتغلين بها، وأن تخولها الانتفاع بمناجم الحكومة ومعادنها، وأن تعفيها من الضرائب والرسوم على وارداتها، وأن تقسم أرباح الشركة - بعد خصم خمسة في المائة في مقابلة الفوائد وخمسة في المائة تدخر للمال الاحتياطي - على النسبة الآتية: عشرة في المائة لمؤسسي الشركة وخمسة وسبعون في المائة لأصحاب الأسهم والموظفين والعمال، وخمسة عشر في المائة للحكومة المصرية، وتئول القناة بعد تسع وتسعين سنة إلى ملك الحكومة.
أما إنجلترا فإنها عملت على إحباط المشروع من جهة وعلى كسب نفوذ لها في مصر يقابل هذا النفوذ من جهة أخرى، فلم تأت سنة 1862 حتى تورط «سعيد باشا» في صفقة جائرة مع بيت «فرهلنج جوشن» بلندن فعقد معه قرضا بأكثر من ثلاثة ملايين من الجنيهات، تبعتها قروض أخرى كانت هي أول الكارثة التي استفلحت بعد ذلك حتى قضت على استقلال البلاد وعرضتها للرقابة الأجنبية.
وفي خلال هذه السنوات لم تهدأ الخطة عن محاربة المشروع عند «الباب العالي» فتأخرت موافقته عليه من سنة 1856 إلى سنة 1858، ولما صدر الفرمان بالموافقة عرضت الأسهم في الأسواق - وعدتها أربعمائة ألف بمائتي مليون فرنك - فاشترت فرنسا (207111 سهما) واشترت البندقية ألفا وثلاثة وثمانين سهما واشترت حكومة البيمونت ألفا وثلاثمائة وخمسين سهما، واشترت هولندة وأسبانيا وتركيا ما بقي من الأسهم، ماعدا حصة مصر وقدرها (136642) منها ستة وتسعون ألف سهم رصدها دلسبس لحساب محمد سعيد باشا على غير علم منه، فاضطر إلى قبولها بعد الممانعة؛ خوفا من تهمة الإفلاس وحبوط العمل بعد الشروع فيه، وتخلفت أثمان هذه الأسهم ديونا إلى أن سددها إسماعيل باشا بأسناد مالية كتبها على الحكومة المصرية. •••
Неизвестная страница