يريد: كأنني في الناس. وقول عمرو بن أحمر:
تقول وقد عالَيْتُ بالكور فَوقَها ... أيُسقَي فَلاَ يَرْوي إليّ ابن أحمرا
يريد: فلا يروي مني.
فهذه الأبيات وأمثالها فيها خلاف بين النحويين. فأهل الكوفة يحملونها على ما يعطيه الظاهر من وضع الحرف موضع غيره. وأهل البصرة يبقون الحرف على معناه الذي عهد فيه إما بتأويل يقبله اللفظ، أو بأن يجعلوا العامل مضمنًا معنى ما يعمل في ذلك الحرف إن أمكن، ويرون أن التصرف في الأفعال بالتضمين أولى من التصرف في الحروف بجعل بعضها موضع بعض، لأن الحروف بابها أن لا يتصرف فيها. وأيضًا فإن الفعل إذا عدي تعدى غيره بالتضمين الذي ذكرناه كان لذلك سبب، وهو كون الفعلين يؤولان إلى معنى واحد، وإذا قدر أن أحد الحرفين وضع موضع الآخر من غير تضمين للعامل فيه معنى ما يتعدى بذلك الحرف، كان وضعه موضعه لغير سبب، فإن لم يمكن التأويل ولا التضمين اعتقدوا إذ ذاك أن أحد الحرفين موضوع موضع الآخر:
فعلى هذا قول القحيف (إذا رضيت علي) إنما عدي بعلي لأن الرضى عن الشخص إقبال عليه. فكأنه قال: إذا أقبلت علي.
وقول الراعي (وخلا عليها) يفيد ما يفيده قوله: وقف عليها. فعدى (خلا) بـ (على) كذلك.