الاستقلالىّ. ولو قُدر أنّ الله سبحانه جَعَلَ لغيره من الملاك هذا التَصرُّف الخاصّ، لجاز لهم ما جاز له مِن الأمرِ بالفِعل، والصَرفِ عنه، والنهي عنه، وتَقديِرِه.
وهذهنُكتةٌ يجب أن يُفزَع في مَضيق هذه المسألة إِليها، ويُعوَّل عليها، وتُعقَد عليها الحناجِرُ ويُعض عليها بالنواجذ وبعدها أخرى أحسن منها، وهي سر المسألة؛ والله أعلم.
قوله، "وهو يَعني ما نهى اللهُ عنه مِن العباد". قلنا: خَلقًا أو كسبًا؟ الأوّل ممنوعٌ؛ والثاني مُسلَّمٌ، وقد سبق تقريُره غيرَ موضعٍ.
قوله، "فإِنّه تعالى يقول: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم﴾. فلو كان الكفر من قضائه وقدره، لرَضي به ممن عَمِله". قلنا: قد بيّنّا أنّ معنى كونه لا يَرضَى لعباده الكفرَ، "لا يَرضاه لهم طاعةَ وعبادةً ولا سببًا يُقربون به".أمّا "لا يَرضى به، أو لا يَرضاه واقِعًا في الوجود"، فلا. وإِلاّ، لَزِم أن يَقَعَ في ملكوتِه ما لا يَرضَى به ولا يَقدِر على منعِه؛ وذلك تعجيزٌ له سبحانه عن ذلك.
قلتُ: فقد دار الأمُر بين لُزوم لعجزِ فى حقّه تعالى، على رأيهم، ولزوم الجَور عقلَا، على رأينا. لكنّ الثاني أَولى أن يُلتَزَم؛ لأنّا إِذا قلنا بما يَقتضي الجورَ، أمكَننا أن نقول: "هذا جورٌ"، بالإِضافة إِلى تَصرُّفاتنا في مُلكِنا. أمّا بالإِضافة إِلى تَصرُّف الله التامّ، فلا جور؛ بل كلّ ما يَصدرُ منه عَدلٌ. ونَستَنِد من السمع إِلى قوله، ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾. أمّا لو قلنا بقولهم، الذي يَلزَم عليه عجزُه سبحانه عن نَفي المكروهاتِ الواقِعة في مُلكِه، فإِنّه لا يمكننا أن نقول: "هذا عَجزٌ"، بالإِضافة إِلينا، لا إِليه سبحانه؛ لأنّ العجز إِمًا عَدَم القدرةِ، أو معنى ملازَمة عَدَمِ القدرة؛ وهو أمرٌ حقيقي لا يختَلِف بتمام المُلك ونقصانه؛ بخلاف الجور.
قوله، "لو كان من قضائه وقدرِه، لرَضِي به ممن عَمله". قلنا: لَرضيَ به رضَا تكليفٍ، أو رِضَا تكوينٍ؟ الأوّل مُسلَّمٌ أنه لا يَرضَى به. والثاني ممنوعٌ. وقد بيّنّا أنَه لا تَنَافي بين