سنة 47ه قبل أن تخطط القيروان وجامعها الأعظم، والموقع الذي به هذا المسجد يسمى بمحرس الأنصار، وهو بالمكان المسمى الآن بحومة الشرفاء، معروف مشهور إلى الآن. (2) الجامع الأعظم
أول من اختطه عقبة بن نافع رضي الله عنه لما قدم القيروان سنة 50ه، بناه بناء بسيطا، وما زال أثر البناء القديم موجودا إلى الآن يشاهد من خلف ثقب المحراب. (3) أول من جدد بناء الجامع
أول من جدد بناءه: حسان بن نعمان الغساني الذي وجهه عبد الملك بن مروان أميرا على إفريقية سنة 79ه، وهو أول من دخل إفريقية من أهل الشام، وتاريخ تجديده لبناء الجامع سنة 84ه. (4) تجديد الجامع على الهيئة المشاهدة الآن
جدده على الصفة الموجودة الآن زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب سنة 203ه، وكان هذا الأمير جميل الصورة يميل في ابتداء أمره إلى الملاهي، فنظر إلى وجهه في المرآة وهو بحالة سكر فتكلم بكلمة كفر، فلما أفاق بكى وندم، فجمع فقهاء القيروان وأعلمهم بذلك، وسألهم هل من توبة، فكلهم صعب عليه الأمر إلا محمد بن يحيى بن سلام، قال له: إن كنت اعتقدت ما تكلمت به فهو عند الله عظيم، وإن لم تعتقده فالتوبة مبسوطة، فتب إلى الله تعالى وتقرب له بالصدقة. فتاب وقال له: جوزيت خيرا؛ لأنك لم تؤيسني من رحمة الله.
وهكذا كان علماء السلف لا يسلكون طريق الشدة في الدين، وبذلك ترجع الناس إلى اليقين، فأقلع الأمير عن المعاصي وهجر الخمرة، وجدد بناء الجامع الأعظم على صفته الآن. وقد كان قبل توبته جلب القراميد من اليمن لبناء مجلس للهو، وجلبت له من بغداد أخشاب الساج التي لا يعمل فيها السوس بقصد صنع عيدان وآلات الطرب، فلما تاب إلى الله تعالى، جعل تلك القراميد في وجه محراب الجامع، وصنع من أخشاب الساج منبر الجامع، وهو ذلك المنبر العجيب الموجود الآن، وقد قومه أحد سواح الإفرنج العارفين بأهمية الآثار بمليون من الفرنكات، وهو مركب من عدة قطع، كل قطعة منقوشة بنقش عجيب لا يشبه غيرها من القطع.
وقد تولى زيادة الله إمارة إفريقية وهو ابن عشرين سنة، وتوفي سنة 233ه، وقبره اندثر ولم يعرف الآن، وسبب موته أنه خرجت له في يده الشمال قرحة قتلته وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
أما السياج المدار على البيت المسمى بمصلى الملوك؛ فقد صنع في إمارة المعز بن باديس الصنهاجي سنة 449ه، بأمر منه، وهو منقوش بنقش جميل، وعليه كتابة بالخط الكوفي الجميل، ويوجد بيت كان يجلس فيه أيمة الجامع منهم سحنون، وله باب من جهة حومة المطمر يدخل منه الإمام. ويوجد في هذا البيت آثار حربية، وهي بقية درع وقطعة من قوس وخوذ نحاسية، يزعمون أنها من آثار الصحابة، والمظنون أنها من الغنائم التي غنمها جيش الإسلام في الفتوحات القريبة. ويوجد بالبيت أيضا عكازة الإمام سحنون التي كان يخطب بها.
ويوجد به أيضا مكتبة عتيقة، تلف غالبها من عدم اعتنائنا بالمحافظة على آثار أسلافنا، وتلك مصيبة من أعظم المصائب التي حلت بالمسلمين. ولم يبق من آثار هاته المكتبة النفيسة إلا أوراق من كتب جليلة في علوم متنوعة، ومصاحف جميلة، منها مصحف مكتوب بالذهب على الرق الأزرق بالخط الكوفي الجميل، وليس له بداية ولا نهاية، وهو من النفائس التي يعز وجودها، ويوجد مصحف آخر مكتوب بالخط الكوفي أيضا، حبسته على الجامع حاضنة المعز بن باديس، واسمها مكتوب في آخر المصحف مع تاريخ التحبيس، وقد اعتنى جناب الكاتب العام السيد روا بهاته المكتبة، فرتبها ترتيبا جميلا يشكر عليه الشكر الجزيل، وجعل لتلك الكتب والأوراق غلافات محكمة، ونمر ودفتر رتبت به نمر غلافات الكتب والأوراق مع بيان أسمائها؛ لكيلا يعسر الأمر على المطالع، ولتحفظ بقية المكتبة من التلاشي، وفقنا الله إلى إصلاح حالنا وحفظ آثار أسلافنا بمنه وكرمه. (5) جامع الزيتونة بالقيروان
أسسه إسماعيل بن عبيد الأنصاري سنة 71ه، وهو العالم التابعي المعروف بتاجر الله، من أحد العشرة التابعين الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز يفقهون أهل إفريقية، سكن القيروان، وانتفع به خلق كثير من أهلها وغيرهم، وكان يدرس العلم ويصلي بالمسجد المذكور، وسمي تاجر الله؛ لأنه جعل ثلث كسبه لله عز وجل.
من آثاره في الكرم أن خياطا كان له بنات وليس يقوم به عمله إلا عن جهد، فلما كان ليلة عيد الفطر دخل على بناته فوجدهن في الظلام وليس في البيت شيء يرد يده إليه، فخرج من بيته حزينا هائما أن يرى بناته يوم عيد منكسرات قلوبهن بين أترابهن من بنات الجيران، وسولت له نفسه الخروج من القيروان حتى ينقضي العيد، فمر بمسجد إسماعيل تاجر الله، وقد حضرت صلاة العشاء الآخرة، فصلى معهم، فلما انصرف الناس ولم يبق بالمسجد إلا الرجل. رآه إسماعيل فعلم أن له قصة، فمضى إلى داره وبعث إليه فسأله عن قصته فأخبره، فتوجد إسماعيل لذلك وبكى، وقال: كم عندك من البنات؟ قال: خمس. فصاح إسماعيل بأمهات أولاده وقال: ايتوني بحلي بناتكن وما صنعتن لهن في هذا العيد من الثياب والزينة والحناء والطيب. فأتين بجميع ذلك، ثم قال لهن: ايتوني بمائدة الطعام. فأتوا بها وفيها أنواع الأطعمة وأصناف الحلواء، فدفع ذلك كله للخياط، وسلم له دنانير كثيرة، ثم قال له: اكس بناتك هذه الثياب، وجملهن بهذا الحلي، وطيبهن بهذا الطيب، وكل معهن من هذه المائدة، ووسع على نفسك وعليهن من هذه الدنانير؛ فقد وهبت لك جميع ذلك لله.
Неизвестная страница