هو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الجليل بن فندار المرادي، قرأ على الشيخ محمد الرماح ابن الجلاب وهو صغير السن وارتحل لتونس، وقرأ بها على ابن عبد السلام، ثم رجع إلى القيروان، وانتفع الناس به، ومن جملة من قرأ عليه: ابن محمد الجديدي، والشيخ منصور المزوعي، وأبي بن يعقوب الضاعني. كان أعرف الناس بمذهب مالك ليس فوقه في عصره أحد بإفريقية، وتولى قضاء بلده القيروان، ثم تولى قضاء قفصة، وقدم القيروان زائرا وهو مريض، فمات قرب وصوله فجر ليلة الإثنين الموفي ثلاثين محرم سنة 702ه، وصلى عليه الفقيه الخطيب إبراهيم بن عمر الدهماني، ودفن بداره بحومة الجامع، وقبره مشهور يزار، رضي الله عنه.
أبو القاسم اللبيدي
هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحصري المعروف باللبيدي نسبة للبدة؛ قرية من قرى الساحل. سمع العلم من أبي الحسن القابسي، وأبي محمد بن أبي زيد وغيرهما، وقرأ عليه محمد بن سعدون وغيره من القرويين والأندلسيين، وجهه أبو الحسن القابسي ليفقه أهل المهدية، وامتد عمره بعد أقرانه فحاز رئاسة العلم بالقيروان. ألف كتابا في الفقه كبيرا، جمع فيه بين النوادر لأبي محمد بن أبي زيد وموطأ مالك. وألف في اختصار المدونة كتابا سماه «الملخص»، وكان ينشد الشعر، ويحسن القول فيه. توفي سنة 440ه لليلتين بقيتا من شوال وعمره ثمانون سنة، وصلى عليه ابنه أبو بكر، وكان من أهل العلم، وحضر جنازته صاحب إفريقية، وجميع أركان دولته، ورثي بمراثي كثيرة، وقبره بداره الكائنة بحومة اللبيدية نسبة إليه، رضي الله عنه.
عبد الله بن أبي زيد
النفزاوي نسبا، القيرواني مولدا ومنشأ ومدفنا، سمع العلم بإفريقية من محمد بن اللباد، وعليه كان اعتماده في الفقه. وسمع من عبد الله بن مسرور الحجام، ومحمد بن العسال، ومن أبي ميسرة، ومحمد بن موسى القطان، وأجازه من أهل المشرق أبو سعيد بن الأعرابي، وإبراهيم بن أبي بكر بن المنذر، وجماعة من البغداديين، وتفقه عليه كثير من القرويين، والأندلسيين، وأهل المغرب؛ فمن القرويين: أبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو القاسم اللبيدي، وأبو القاسم خلف البراذعي وغيرهم. انتشرت إمامته في العلم شرقا وغربا. قال أبو الحسن القابسي: كان عبد الله ابن أبي زيد إماما مؤيدا وثوقا به في درايته وروايته. وقال الشيرازي: كان عبد الله بن أبي زيد يعرف بمالك الأصغر، وله تآليف كثيرة؛ منها: كتاب «النوادر» وكتاب «مختصر المدونة»، و«الرسالة» الشهيرة، و«الاقتداء»، وكتاب «الذب عن مذهب مالك»، وكتاب «المضمون من الرزق»، وكتاب «المعرفة واليقين والتوكل»، وكتاب «المناسك»، وكتاب «شرح مسألة الحبس»، وكتاب «إعجاز القرآن»، وكتاب «التنبيه»، وكتاب «رد الخواطر من الوسواس»، وكتاب «قيام رمضان والاعتكاف»، وكتاب «إعطاء الزكاة للقرابة»، وكتاب «كشف التبليس»، وكتاب «الرد على أبي ميسرة المارق»، وكتاب «حماية عرض المؤمن».
وله رسالة وعظ وعظ بها محمد بن الطاهر القائد، وأول تأليف له الرسالة الشهيرة، وسبب تأليفها أن الشيخ محرز بن خلف التونسي سأله، وهو في سن الحداثة، أن يؤلف له كتابا مختصرا في اعتقاد أهل السنة مع فقه وآداب ليتعلم ذلك أولاد المسلمين، فألف الرسالة الشهيرة؛ وذلك سنة 327ه، وسنه إذ ذاك سبع عشرة سنة، فانتشرت الرسالة في سائر بلاد المسلمين حتى بلغت العراق، واليمن، والحجاز، وبلاد السودان. وتنافس الناس في اقتنائها حتى كتبت بالذهب، وأول نسخة نسخت منها بيعت ببغداد في حلقة أبي بكر الأبهري بعشرين دينارا، ولما كان القصد بها أن تعلم لأولاد المسلمين لم يبق بلد من بلاد الإسلام إلا بلغت إليه. وكان ابن أبي زيد رضي الله عنه على غاية من الجود والكرم، كثير البذل للفقراء، والغرباء، وطلبة العلم، ينفق عليهم ويكسوهم ويزودهم. توفي يوم الإثنين عند الزوال الموافق ثلاثين من شهر شعبان سنة 386ه، وعاش ستا وسبعين سنة، وصلى عليه الشيخ أبو الحسن القابسي يوم الثلاثاء في جمع لا يحصى، ودفن بداره المعروفة الآن، وبجوار قبره قبر العالم الجليل أبو محمد عبد الله الشبيبي شارح الرسالة في سفرين، وقد توفي سنة 872ه، رضي الله عنهما.
محمد بن خيرون المعافري الأندلسي
كان من أكابر العلماء العاملين، رحل إلى العراق، وقرأ العلم على محمد بن نصر صاحب يحيى بن معين وغيره، ثم عاد إلى القيروان واشتغل بتدريس العلم بمسجده الذي أسسه، وهو المسمى الآن بمسجد ذي ثلاثة أبواب، فانتفع بعلمه خلق كثير. وكان قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شديد الوطأة على الظالمين المستبدين، فسعى به الظالم علي المرودي قاضي الشيعة إلى الأمير عبيد الله المهدي، فأمر عامله بالقيروان المسمى الحسين ابن أبي خنزير بقتله. حكى الشيخ أبو الحسن القابسي رحمه الله قال: أخبرني من أثق به أنه كان جالسا عند ابن أبي خنزير عامل عبيد الله المهدي المذكور، إذ دخل عليه شيخ ذو هيئة جميلة، وقد علاه اصفرار مع حسن سمت وخشوع، فلما رآه ابن أبي خنزير بكى، فقال له جليسه: ما الذي يبكيك؟ قال: بعث لي السلطان عبيد الله يأمرني بدرس هذا الرجل - يعني ابن خيرون - حتى يموت، ثم أمر به فأدخل إلى مجلس، وبطح على ظهره، وطلع السودان فوق سرير، فقفزوا عليه حتى مات؛ وذلك من أجل جهاده على دين الله، وبغضه لملوك بني عبيد الظالمين المستبدين.
قال المالكي: ولما مات أخذوه وحملوه على بغل، وألقوه في حفير خارج البلد، ثم نهب ابن أبي خنزير داره وأخذ مولدة كانت معه، وجعلها مع خدمه. وكانت عاقبة القاضي الشيعي ابن علي المرودي الذي سعى بابن خيرون أن الله انتقم منه؛ وذلك أن ابن أبي خنزير عامل القيروان المذكور سعى به إلى الأمير عبيد الله فمكنه الأمير منه، فأخذه وكتفه ورماه في إصطبل الدواب فركضت الخيل وغيرها عليه حتى قتلته، وكانت جارية ابن خيرون تأتيه وهو تحت أرجل الدواب وتتولى عذابه بنفسها، فيقول لها: إنك بسببي صرت عند عامل الأمير. فتقول له: يا شيخ السوء، قتلت سيدي ابن خيرون شيخ القيروان، وأزلتني من عنده، ورددتني عند خنزير ابن خنزير، فقد خاب من حمل ظلما. ثم تأمر خدمها فيلطمونه إلى أن مات، وتلك عاقبة الظالمين، ومسجد ابن خيرون قائم إلى الآن على ذاته يشهد لله بالوحدانية والعظمة، ويترجم بلسان حاله على مؤسسه الذي ذهب ضحية الدفاع عن عباد الله والذب على الدين الإسلامي القويم، وهذا المسجد هو المعروف الآن بجامع ذي ثلاثة أبواب، يبعد عن سوق المداسين بنحو أربعين خطوة، رضي الله عن مؤسسه، توفي ابن خيرون سنة 301ه، ودفن بعد إخراجه من الحفرة التي ألقي فيها بمقبرة الجناح الأخضر، عليه رضوان الله ورحمته.
علي العواني الشريف الحسيني
Неизвестная страница