Далалат Шакль
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Жанры
إن سيزان نمط من الفنان الكامل، وهو النقيض التام لمحترفي صناعة اللوحات، ومحترفي صناعة القصائد، ومحترفي صناعة الموسيقى. لقد كان يخلق الأشكال لا لشيء إلا لأنه بهذا الفعل وحده يمكنه أن يحقق غاية وجوده؛ وهي التعبير عن إحساسه بدلالة الشكل، وعندما نكون بصدد الحديث عن الإستطيقا، فإن خير ما نفعله هو ألا نبالي بكل هذا، وأن ننصرف فحسب إلى الموضوع وتأثيره الانفعالي علينا، ولكننا حين نحاول أن نفسر التأثير الانفعالي للوحات، فإننا نلتفت تلقائيا إلى أذهان الأشخاص الذين صنعوها، ونجد في قصة سيزان معينا لا ينضب من الإلهام؛ فقد كانت حياته جهدا متصلا لخلق الأشكال التي يسعها أن تعبر عما أحس به في لحظة الإلهام. إن فكرة فن بلا إلهام، فكرة وصفة لصنع اللوحات، كان لا بد أن تبدو له ممتنعة، فلم يكن هم سيزان الحقيقي في حياته هو أن يصنع لوحات بل أن يصنع خلاصه، ومن حسن حظنا أنه لم يمكنه ذلك إلا بواسطة الرسم. إن أي لوحتين لسيزان من المتعين أن تختلفا فيما بينهما اختلافا بعيدا، فلم يحلم سيزان قط بأن يكرر نفسه، ولم يكن بإمكانه أن يتجمد في مكانه، وهذا هو السر في أنه استطاع بأعماله أن يلهم جيلا بكامله من الفنانين المتباينين الذين لم يتفقوا في شيء عدا استلهام سيزان؛ ولذا فلست أغض من شأن أي من الفنانين الأحياء حين أقول إن السمة الرئيسية للحركة الفنية الجديدة هي أنها مستمدة من سيزان. •••
لقد أمعنت الحركة المعاصرة في التبسيط وبلغت به شأوا أبعد بكثير مما بلغه مانيه
Manet
ورفاقه، وبذلك ميزت نفسها وافترقت عن أي شيء شهدناه منذ القرن الثاني عشر، فمنذ القرن الثاني عشر في فنون النحت والزجاج، ومنذ القرن الثالث عشر في فنون التصوير والرسم، أخذ التحول ينحو إلى الواقعية وينأى عن الفن، وإن جوهر الواقعية هو التفصيل، فمنذ زولا
Zola
أدرك كل روائي أن لا شيء يضفي على العمل صبغة واقعية جليلة مثل أن تدفع فيه بحشد من الوقائع الطفيلية (الخارجة عن الموضوع)، وقلما نجد من الروائيين من حاد عن هذه الطريقة وحاول أن يحذو حذوا آخر؛ فالتفصيل هو في الصميم من الواقعية، وهو الانحلال الدهني
fatty degeneration
للفن، أما الحركة المعاصرة فقد اتجهت إلى التبسيط وإلى التخلص من كل هذه الفوضى من التفاصيل التي أقحمها الرسامون في لوحاتهم من أجل إثبات الوقائع وتقريرها، غير أن المهمة كانت أكبر من ذلك؛ فقد كانت هناك عناصر خارجة عن الموضوع يقحمها الرسامون في لوحاتهم لأغراض أخرى غير تقرير الوقائع، من هذه الأغراض الاستعراض التكنيكي؛ فمنذ القرن الثاني عشر أخذت التعقيدات التكنيكية في التوسع المطرد، وأخذ الكتاب الذين ليس لديهم ما يقولونه يعتبرون التلاعب بالألفاظ كغاية في ذاته؛ فهم أشبه بطهاة ليس لديهم بيض فجعلوا يعتبرون وتيرة صنع العجة كفن جميل؛ خلط التوابل وفرم الأعشاب وإحماء النار وتهيئة الطواقي البيضاء، أما البيض فما لنا وماله، هذا أمر الله، ومن ذا يريد العجة حين يكون بوسعه أن يمارس الطهي؟ لقد بسطت الحركة الجديدة هذه الأمور واختزلت عدة الطهي، وعمدت إلى أن تطهر العمل الفني من أي عنصر لا يعدو أن يكون عرضا لحرفية الصانع. •••
من وجهة نظر المشاهد كان فنانو «ما بعد الانطباعية» موفقين بشكل خاص في تبسيطهم؛ فمن الممكن، كما نعلم، أن يتكون التصميم من أشكال واقعية كما أنه من الممكن أن يتكون من أشكال مخترعة، غير أن التصميم الجميل المكون من أشكال واقعية معرض بدرجة كبيرة لخطر التدني الإستطيقي؛ إذ يستلفت العنصر التمثيلي فيه نظرنا على الفور فتفوتنا دلالته الشكلية. إن من العسير جدا أن ندرك بالنظرة الأولى تصميم لوحة لفنان شديد الواقعية، أنجر
Ingres
Неизвестная страница