Далалат Шакль
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Жанры
وبعد؛ فقد أوردت ما أوردت من حديث الهذر والمجون لأنه مثال صارخ يبين لنا أن كل ذي حساسية فنية من الناس يعي في دخيلته تلك العلاقة الدقيقة بين مقولتي «الإستطيقي» و«الأخلاقي»، ويبطن في نفسه كلا من المفارقة وحلها، وتأويل ذلك أنه يعرف «الوجد الإستطيقي» (النشوة الإستطيقية)
aesthetic ecstasy
ويعرف بالبداهة أنه خير.
وقد نوه بل إلى هذه المسألة منذ البداية، ومنذ البداية هدته دقته المنطقية إلى أن يفصل فصلا قاطعا بين الفن واللافن؛ فالعمل الذي ينطوي على شكل دال هو عمل فني وهو خير بطبيعته أيا كان موضوعه؛ إذ هو يؤدي إلى حالة ذهنية خيرة هي الانفعال الإستطيقي، ويفلت بفضل ذلك من طائلة الناقد الأخلاقي، أما العمل الذي لا يحوز على شكل دال ولا يؤدي إلى انفعال إستطيقي بل يثير انفعالات الحياة، فهو ليس عملا فنيا، إنه «عمل» كأي عمل، وهو خاضع بالتالي للحكم الأخلاقي، ولا يشفع له موضوعه ولا مقصده، وربما اعتبر شرا حتى لو كان يتحدث عن موعظة الجبل؛ لأنه يثير انفعالا رديئا ورضا ذاتيا زائفا، يقول كلايف بل في فقرة صارت مأثورة: «إن الفن فوق الأخلاق، أو بالأحرى كل فن هو أخلاقي؛ ذلك أن الأعمال الفنية كما أود أن أبين هي وسائل مباشرة إلى الخير، فما إن نحكم على شيء بأنه عمل فني حتى نكون قد حكمنا بأنه ذو أهمية قصوى أخلاقيا وجعلناه دون منال الداعية الأخلاقي، غير أن الأعمال الوصفية التي ليست أعمالا فنية، وبالتالي ليست بالضرورة سبلا إلى حالات ذهنية خيرة، هي جديرة أن تقع تحت طائلة الفيلسوف الأخلاقي، وما دامت لوحة «الطبيب» ليست عملا فنيا، فهي تفتقر إلى القيمة الأخلاقية الهائلة التي تتحلى بها جميع الموضوعات التي تبعث النشوة الإستطيقية، وإن الحالة الذهنية التي تفضي إليها بوصفها صورة إيضاحية تبدو لي غير مرغوب فيها.»
3
إن لوحة «الطبيب» للسير لوك فيلدز ليست، في رأي كلايف بل، عملا فنيا؛ ذلك أن الشكل فيها لا يستخدم كموضوع للانفعال بل كوسيلة لاقتراح انفعالات والإيعاز بعواطف، وهذا يكفي وحده لجعلها تافهة، بل إنها أكثر من تافهة لأن العاطفة التي توعز بها هي عاطفة كاذبة. إن ما توعز به ليس الشفقة والإعجاب بل إحساس بالرضا الذاتي عن شفقتنا نحن وكرمنا، إنها ابتذال أو إسفاف عاطفي.
ويتفق ألكسندر إليوت مع كلايف بل تمام الاتفاق حول لوحة «الطبيب» وأشباهها؛ «فالطبيب الجالس في الظلام قرب فراش الطفل المريض فيه من النبل ما لا يتحمله المرء، وكذلك الصورة كلها، فوراء النبل السكري اللزج الذي في محتواها الظاهر، ينبض قلب من حجر، راض عن نفسه، لكان أليق بهذا الطبيب أن يكون عنكبوتا أسود سمينا يحوك للطفل كفنا! ... هل من أذى في محتوى كامن من هذا القبيل؟ قد يكون الأمر باعثا على بعض المرح، إلا أنه مؤذ؛ لأن تجربة المحتوى الكامن في صورة «الطبيب» دون رفضها، تعني مشاركة المشاهد، عن وعي أو غير وعي، في أمر فارغ سخيف كشريك سخيف راض عن نفسه.»
4 «بيد أن للمحتوى الكامن في الروائع أثرا في النفس كأثر الخير، إن الرائعة تجربة خيرة دائما، ولا حاجة بالمرء إلى إدراك محتواها الكامن في سبيل استمداد خيرها، فخيرها آت مع التجربة نفسها، وإذا استطاع المرء بعد ذلك أن ينظم تفكيره بشأنها، كان ذلك خيرا على خير.»
5
تلك هي الجراحة المنطقية البارعة التي يقوم بها كلايف بل، فيفصل المقولات المشتبكة، ويحدد المصطلحات الملتبسة، ويوضح العلاقات الغامضة، ويضع كل شيء في نصابه، فإذا بالمشكلات القديمة تتبدد، وتحفظات أفلاطون وتولستوي على الفن تأخذ مجراها وحجمها، ومغالطات النزعة الجمالية
Неизвестная страница