بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مَسْأَلَة
مَذْهَب الشَّافِعِي ﵁ أَن الْمُصَلِّي إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع يَقُول فِي حَال ارتفاعه سمع الله لمن حَمده فَإِذا اسْتَوَى قَائِما يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد وَأَنه يسْتَحبّ الْجمع بَين هذَيْن للْإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَبِهَذَا قَالَ عَطاء وَأَبُو بردة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِسْحَق وَدَاوُد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقُول الإِمَام وَالْمُنْفَرد سمع الله لمن حَمده فَقَط وَالْمَأْمُوم رَبنَا لَك الْحَمد فَقَط وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَالشعْبِيّ وَمَالك وَأحمد قَالَ وَبِه أَقُول
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد يجمع الإِمَام بَين الذكرين ويقتصر الْمَأْمُوم على رَبنَا لَك الْحَمد وَاحْتج لَهُم بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ إِنَّمَا جعل
1 / 23
الإِمَام ليؤتم بِهِ فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ فَإِذا كبر فكبروا وَإِذا ركع فاركعوا وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده فَقولُوا رَبنَا لَك الْحَمد وَإِذا سجد فاسجدوا وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَبِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت صلى رَسُول الله ﷺ فِي بَيته وَهُوَ شَاك فصلى جَالِسا وَصلى وَرَاءه قوم قيَاما فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَن اجلسوا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا ركع فاركعوا وَإِذا رفع فارفعوا وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده فَقولُوا رَبنَا لَك الْحَمد وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
ولأصحابنا الشَّافِعِيَّة فِي الإحتجاج مسالك
المسلك الأول
أَنه لَا حجَّة للخصوم فِي هذَيْن الْحَدِيثين إِذْ لَيْسَ فيهمَا مَا يدل على النَّفْي بل فيهمَا أَن قَول الْمَأْمُوم رَبنَا لَك الْحَمد يكون عقب قَول الإِمَام سمع الله لمن حَمده وَالْوَاقِع فِي التَّصْوِير ذَلِك لِأَن الإِمَام يَقُول التسميع فِي حَال انْتِقَاله وَالْمَأْمُوم يَقُول التَّحْمِيد فِي حَال اعتداله فَقَوله يَقع عقب قَول الإِمَام كَمَا فِي الحَدِيث وَنَظِير ذَلِك قَوْله ﷺ إِذا قَالَ الإِمَام وَلَا
1 / 24
الضَّالّين فَقولُوا آمين فَإِنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ أَن الإِمَام لَا يُؤمن بعد قَوْله ﴿وَلَا الضَّالّين﴾ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِأَن الإِمَام يُؤمن كَمَا أَنه لَيْسَ فِي هذَيْن الْحَدِيثين تَصْرِيح بِأَن الإِمَام يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد لكنهما مستفادان من أَدِلَّة أُخْرَى صَرِيحَة مِنْهَا هُنَا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله ﷺ كَانَ إِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده قَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد
وَأخرج مُسلم عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي ﷺ قَالَ حِين رفع رَأسه سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد
وَأخرج البُخَارِيّ مثله من رِوَايَة ابْن عمر وَمُسلم مثله من رِوَايَة عبد الله بن أبي أوفى
فَثَبت بِهَذِهِ الْأَحَادِيث أَن الإِمَام يجمع بَين التسميع والتحميد على خلاف ظَاهر هذَيْن الْحَدِيثين فَلم يصلح الإستدلال بهما على ان الإِمَام لَا يجمع بَينهمَا واذا لم يصلح الِاسْتِدْلَال بهما فِي حق الإِمَام لم يصلح الإستدلال بهما فِي حق الْمَأْمُوم أَيْضا كَمَا لايخفى
1 / 25
المسلك الثَّانِي
إِذا ثَبت أَنه لَا دلَالَة فِي هذَيْن الْحَدِيثين على أَن الإِمَام لَا يجمع بَين الذكرين وَلَا على أَن الْمَأْمُوم لَا يجمع بَينهمَا وَثَبت أَن التَّصْرِيح بِأَن الإِمَام يجمع بَينهمَا من أَدِلَّة أُخْرَى دلّ ذَلِك على أَن الْمَأْمُوم أَيْضا يجمع بَينهمَا لِأَن الأَصْل اسْتِوَاء الْمَأْمُوم فِيمَا يسْتَحبّ من الْأَذْكَار فِي الصَّلَاة كتكبيرات الإنتقالات وتسبيحات الرُّكُوع وَالسُّجُود
المسلك الثَّالِث
ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن النَّبِي ﷺ قَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَهَذَا يدل على أَن الْمَأْمُوم يجمع بَين التسميع والتحميد لِأَنَّهُ أَمر الْأَئِمَّة بِأَن يصلوا كَمَا صلى وَقد ثَبت بِتِلْكَ الْأَحَادِيث أَنه لما صلى قَالَ سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد فَلَزِمَ من ذَلِك أَن كل مصل يَقُول ذَلِك فتتحقق المثلية
المسلك الرَّابِع
نقل الطَّحَاوِيّ وَابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع على أَن الْمُنْفَرد يجمع بَينهمَا وَجعله الطَّحَاوِيّ حجَّة لكَون الإِمَام يجمع بَينهمَا وَيصْلح جعله حجَّة لكَون الْمَأْمُوم أَيْضا يجمع بَينهمَا لِأَن الأَصْل إستواء الثَّلَاثَة فِي الْمَشْرُوع فِي الصَّلَاة إِلَّا مَا صرح الشَّرْع بإستثنائه
1 / 26
المسلك الْخَامِس
الإستئناس بِمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ يَا بُرَيْدَة إِذا رفعت رَأسك من الرُّكُوع فَقل سمع الله لمن حَمده الْهم رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد وَبِمَا أخرجه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا إِذا صلينَا خلف رَسُول الله ﷺ فَقَالَ سمع الله لمن حَمده قَالَ من وَرَاءه سمع الله لمن حَمده وَبِمَا أخرجه عَن ابْن عون قَالَ قَالَ مُحَمَّد إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن حَمده قَالَ من خَلفه سمع الله لمن حَمده اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد
المسلك السَّادِس
أَن الصَّلَاة مَبْنِيَّة على أَلا يفتر عَن الذّكر فِي شَيْء مِنْهَا فَإِن لم يَأْتِ بالذكرين فِي الرّفْع والإعتدال بَقِي أحد الْحَالين خَالِيا عَن الذّكر
المسلك السَّابِع
قَالَ الْأَصْحَاب معنى قَوْله ﷺ وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده فَقولُوا رَبنَا لَك الْحَمد أَي قُولُوا رَبنَا لَك الْحَمد مَعَ مَا قد علمتموه من قَول سمع الله لمن حَمده وَإِنَّمَا خص هَذَا بِالذكر لأَنهم كَانُوا يسمعُونَ
1 / 27
جهر النَّبِي ﷺ بسمع الله لمن حَمده فَإِن السّنة فِيهِ الْجَهْر ولايسمعون قَوْله رَبنَا لَك الْحَمد غَالِبا لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ سرا وَكَانُوا يعلمُونَ قَوْله ﷺ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي مَعَ قَاعِدَة التأسي بِهِ ﷺ مُطلقًا فَكَانُوا موافقين فِي سمع الله لمن حَمده فَلم يحْتَج إِلَى الْأَمر بِهِ وَلَا يعْرفُونَ رَبنَا لَك الْحَمد فَأمروا بِهِ
المسلك الثَّامِن
الْقيَاس على حَدِيث إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ على الصَّلَاة فَقولُوا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن الرَّاجِح فِي مَذْهَب الْخصم أَن السَّامع يجمع بَين الحيعلة والحوقلة فَيكون قَوْله فَقولُوا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَي مضموما إِلَى الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا الْمُؤَذّن فَكَذَلِك معنى الحَدِيث فَقولُوا رَبنَا لَك الْحَمد أَي مضموما إِلَى الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا الإِمَام
المسلك التَّاسِع
أَن الحَدِيث بعضه مَنْسُوخ وَهُوَ قَوْله وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ فَمَا الْمَانِع أَن يكون دخل فِي بَقِيَّة الفاظه نسخ أَو تَخْصِيص أَو تَأْوِيل وَإِذا طرقه هَذَا الإحتمال سقط بِهِ الإستدلال
1 / 28
قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه ثَنَا ابْن علية عَن ابْن عون قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن سِيرِين يَقُول إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن حَمده قَالَ من خَلفه سمع الله لمن حَمده اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد
1 / 29