Да'ва и Дава
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء
Издатель
دار المعرفة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤١٨هـ - ١٩٩٧م
Место издания
المغرب
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَرُبَّ مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَرُبَّ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا]
فَصْلٌ
الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا
وَأَعْظَمُ الْخَلْقِ غُرُورًا مَنِ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا وَعَاجَلَهَا، فَآثَرَهَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَرَضِيَ بِهَا مِنَ الْآخِرَةِ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: الدُّنْيَا نَقْدٌ، وَالْآخِرَةُ نَسِيئَةٌ، وَالنَّقْدُ أَحْسَنُ مِنَ النَّسِيئَةِ.
وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: ذَرَّةٌ مَنْقُودَةٌ، وَلَا دُرَّةٌ مَوْعُودَةٌ.
وَيَقُولُ آخَرُ مِنْهُمْ: لَذَّاتُ الدُّنْيَا مُتَيَقَّنَةٌ، وَلَذَّاتُ الْآخِرَةِ مَشْكُوكٌ فِيهَا، وَلَا أَدَعُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلِهِ، وَالْبَهَائِمُ الْعُجْمُ أَعْقَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ إِذَا خَافَتْ مَضَرَّةَ شَيْءٍ لَمْ تُقْدِمْ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَتْ، وَهَؤُلَاءِ يُقْدِمُ أَحَدُهُمْ عَلَى مَا فِيهِ عَطَبُهُ، وَهُوَ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ.
فَهَذَا الضَّرْبُ إِنْ آمَنَ أَحَدُهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِقَائِهِ وَالْجَزَاءِ، فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ حَسْرَةً، لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى عِلْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَأَبْعَدُ لَهُ.
وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: النَّقْدُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ.
جَوَابُهُ أَنَّهُ إِذَا تَسَاوَى النَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ فَالنَّقْدُ خَيْرٌ، وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكَانَتِ النَّسِيئَةُ أَكْبَرَ وَأَفْضَلَ فَهِيَ خَيْرٌ، فَكَيْفَ وَالدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا كَنَفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْفَاسِ الْآخِرَةِ؟
كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟»
فَإِيثَارُ هَذَا النَّقْدِ عَلَى هَذِهِ النَّسِيئَةِ، مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ وَأَقْبَحِ الْجَهْلِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا نِسْبَةَ الدُّنْيَا بِمَجْمُوعِهَا إِلَى الْآخِرَةِ، فَمَا مِقْدَارُ عُمُرِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ، فَأَيُّمَا أَوْلَى بِالْعَاقِلِ؟ إِيثَارُ الْعَاجِلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَحِرْمَانُ الْخَيْرِ الدَّائِمِ فِي الْآخِرَةِ، أَمْ تَرْكُ شَيْءٍ حَقِيرٍ صَغِيرٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ قُرْبٍ، لِيَأْخُذَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا خَطَرَ لَهُ، وَلَا نِهَايَةَ لِعَدَدِهِ، وَلَا غَايَةَ لِأَمَدِهِ؟
وَأَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ: لَا أَتْرُكُ مُتَيَقَّنًا لِمَشْكُوكٍ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى شَكٍّ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ، أَوْ تَكُونَ عَلَى
1 / 36