* وأمّا عن تاريخها ومحطّاتها؛ فلم نجد ما يدلُّنا على اليوم الّذي ودّع فيه القاضي أهل بغداد، وتاريخ خروجه منها، وكل ما لدينا أن المحطّة الأولى الّتي قصدها ومكث بها هي دمشق، وفي طريقه إليها اجتاز معرّة النّعمان، فالتقى بالشاعر الشهير، أبي العلّاء أحمد بن عبد الله التنوخي المعري (٤٤٩ هـ)، ليَخبِر شعر القاضي، ويعطيه وسام الشاعر، فيقول فيه (١):
والمالكي ابن نصر زار في سفر ... بلادنا فحمدنا النأي والسفرا
إذا تففه أحيا مالكًا جدلًا ... وينشر الملك الضّليل إنَّ شعرا
وواصل طريقه إلى دمشق فدخلها في شوال من سنة ٤١٩ هـ، ودرّس بها وحدّث فيها ونفع خلقًا كثيرًا، وأنجب تلاميذ جددًا، تأثّروا به وساروا على نهجه. ثمّ خرج منها في جمادى الأولى من سنة ٤٢٠ هـ، ليدخل مستقرّه الأخير، أرض الكنانة.
وفاته:
استقر المقام أخيرًا بالقاضي عبد الوهّاب بمصر، رغم مناشدات أهل المغرب له بالمجيء إليهم، ولكن كِبَر سنّ الشّيخ حال دون تحمّل وعثاء السَّفر، فآثر البقاء والاستقرار، وواصل مشواره العلّمي؛ تدريسًا وتأليفًا وقضاءً، ووجد ما كان يصبوا إليه.
ويصف ابن بسّام محطّته الأخيرة فيقول: "واستقر الفقيه أبو محمَّد بمصر. فحمل لواءها، وملأ أرضها وسماءها، واستتبع سادتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب" (٢).
ويُذكر أن سبب موته أكلة اشتهاها، فلمّا أكلها وأحسّ بالموت قال: "لا إله إِلَّا الله، عندما عشنا متنا" (٣).
_________
(١) انظر: وفيات الأعيان: ٣/ ٢٢٠. والملك الضليل هو امرؤ القيس.
(٢) انظر: الذّخيرة: ٨/ ٥١٦.
(٣) انظر: الذّخيرة: ٨/ ٥١٦، ترتيب المدارك: ٤/ ٦٩٥.
1 / 35