Усман ибн Аффан: между халифатом и царством
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Жанры
رأى عبد الله بن سعد فرار عدوه فلم يتعقبه، بل أمر الأسطول بالمقام في مكان الموقعة وبقي هناك أياما حتى استراح الناس ثم قفل راجعا إلى مرفأ الإسكندرية، وقد طعن عليه خصومه وخصوم عثمان بن عفان بما فعل من ذلك، وأذاعوا في الناس أنه لو تعقب أسطول الروم لقضى عليه القضاء الأخير، ولسوغ هذا القضاء، ولو إلى حد، ما أصاب المسلمين من خسائر فادحة في الرجال. أما ولم يفعل بل ترك عدوه يولي الأدبار، فحق على عثمان أن يعزله. لكن عثمان لن يفعل وابن أبي سرح أخوه في الرضاع، وعثمان هو الذي استوهب دمه من النبي يوم فتح مكة بعد أن أهدر النبي هذا الدم الفاسد المفسد. وانطلقت ألسنتهم في عثمان وأظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به، حتى لقد أمر ابن سعد ألا يركب معه محمد بن حذيفة ومحمد بن أبي بكر زعيما هذه الحركة.
أما قسطنطين فسار في سفينته إلى صقلية. فلما عرف أهلها ما أصابه، قالوا له: أهلكت النصرانية وأفنيت رجالها، لو أتانا العرب لم يكن عندنا من يمنعهم، ثم أدخلوه حماما وقتلوه فيه وتركوا من كان معه يعودون إلى القسطنطينية.
يطلق المؤرخون على هذه الغزاة اسم غزوة الصواري. وقد يتبادر إلى الذهن أنهم أسموها كذلك لما رووا أن المسلمين حين تهيئوا للمعركة ربطوا سفنهم بعضها ببعض، أو أنهم دنوا من الروم وربطوا سفنهم بسفنهم كما يقول ابن كثير في (البداية والنهاية). أم لعلها سميت كذلك؛ لأن المكان الذي وقعت فيه كان يدعى ذات الصواري. فالمؤرخون الذين رووا نبأ هذه الغزاة يقولون جميعا: إن عبد الله بن سعد أقام أياما بعد المعركة بذات الصواري، ثم عاد بعدها ظافرا إلى الإسكندرية.
ومقام عبد الله بن سعد بذات الصواري هو الذي دفع بعضهم للومه أن لم يتعقب أسطول قسطنطين في فراره. وليس لدينا من تفصيل الوقائع ما يجعلنا نشارك هؤلاء اللائمين في لومهم، ولا ما يدعونا لالتماس العذر لابن سعد؛ لأن العدد العظيم الذي فقده المسلمون من الرجال وما نال من بقي حيا من شدة الجهد قد مال به إلى الاكتفاء بظفره الحاسم بعدوه، وإلى إيثار المقام بمكان الموقعة لدفن القتلى وليستريح الناس. على أن الثابت أن الروم لم تقم لهم بعد هذه الغزاة في البحر قائمة، وأن المسلمين أصبحوا بعدها سادة البحرين المتوسط والأحمر، فأمنوا بذلك أن يسير العدو على ظهر الماء إلى أي مكان من شواطئهم. وذلك ما حدث. فلم يفكر الروم من بعد في العود إلى إفريقية، أو إلى مصر، أو الشام. •••
بينما كان الروم يحاولون غزو الشام واسترداد مصر وإفريقية، ويسيرون لتدمير أسطول المسلمين فيلقاهم المسلمون ويردونهم على أعقابهم في كل مكان، ويدمرون أسطولهم، كانت ولايات فارس يثور بعضها الحين بعد الحين فيلزمها المسلمون الطاعة، ويندفعون إلى ما وراءها من أرض آسيا. وقد رأينا كيف صالحت أذربيجان المسلمين في آخر عهد عمر، فلما استخلف عثمان منعت ما كانت صالحت عليه، فسار إليها الوليد بن عقبة فأخضعها على مثل صلحها الأول، كما رأينا في أرمينية وكيف أعان عليه الروم، فكان ذلك داعيا إلى اشتباكهم بالمسلمين وانتصار المسلمين عليهم.
وليس يرجع انتقاض الولايات الفارسية إلى وفاة عمر وإلى قيام عثمان في الخلافة مقامه. فكثيرا ما حدث في عهد عمر أن انتقضت هذه الولايات ومنعت ما صالحت المسلمين عليه فغلبها المسلمون على أمرها من جديد وردوها إلى الطاعة والإذعان. نقضت همذان صلحها مع المسلمين بعد غزوة نهاوند، فسار إليها نعيم بن مقرن فاستولى على ما حولها من البلاد ثم حاصرها فطلب أهلها الصلح فقبل نعيم منهم على أن تقيم بهمذان قوة من المسلمين يذكر وجودها أهل المدينة بالعهد ويقبض أميرها منهم الجزية. ونقضت اصطخر وانتقض في ولاية فارس كل مكان استطاع الانتقاض فسار الحكم بن أبي العاص إليها، وكان شهرك ملك هذه الولاية لا يزال متوجا، فانتصر عليه انتصارا حاسما وقتله هو وابنه وأخضع هذه الأرجاء من أرض كسرى إلى الصلح الذي عاهدت المسلمين عليه من قبل. وانتقضت غير اصطخر وهمذان مدن وولايات أخرى؛ فأعاد المسلمون إلى نفوس أهلها اليقين بأن مقاومتهم قد تحطمت، وأن كل ثورة يقومون بها تنقلب وبالا عليهم.
وليس عجبا أن يطمئن أهل مصر والشام وأن تثور ولايات فارس الحين بعد الحين. فقد كانت الشام وكانت مصر قبل الفتح العربي ولايتين رومانيتين خاضعتين لسلطان بيزنطة، وكانت تؤدي إلى عاهل القسطنطينية خراجا فادحا. فلما فتحها المسلمون لم يكرهوا أحدا من أهلها على الإسلام، وتركوا من شئون الإدارة لأبنائها ما طمأن هؤلاء الأبناء إلى الحكم العربي، وخففوا عن الناس أعباء الضرائب، فرضي الناس حكمهم ولم يكونوا يرضون حكم الروم. أما والعرب غالبون على أمر هذه البلاد كما كان الروم، أجانب عنها مثلهم، فلم يكن لدافع معقول أن يحرك أهل الشام أو أهل مصر للثورة بالعرب الفاتحين، وكانوا أكثر من الروم عدلا ورحمة؛ لذلك كان حكمهم أحب إلى القلوب وأدنى إلى أن تسيغه نفوس لم يترك الروم لذويها من القوة أو المنعة ما يدفعون به غزو غاز أو فتح فاتح.
وثم عامل آخر أدى إلى اطمئنان أهل الشام وأهل العراق. ذلك أن قبائل كثيرة من العرب نزحت إلى هذه البلاد، واستقرت بها وأقامت فيها إمارة الغساسنة بالشام وإمارة اللخميين بالحيرة، وذلك إلى أجيال كثيرة قبل بعثة النبي العربي؛ لذلك كثيرا ما أسرعت هذه القبائل فانضمت إلى بني عمومتها من العرب في صراعهم الروم والفرس، مع استمساك هذه القبائل أول الأمر بدينها. فلما تم للعرب الغلب في الشام وفي العراق، ودخل كثيرون من العرب الذين استقروا بهذين القطرين في الدين الجديد، فأصهروا إلى بني عمومتهم من أبنائه وأصبحوا وإياهم أمة إسلامية واحدة، كان ذلك من العوامل القوية الأثر في اندحار الروم حين حاولوا العود لغزو الشام، وحين عاونوا أهل أرمينية كي تكون بلادهم ثغرة ينفذ الروم منها إلى العراق.
ولم يغير من سكينة أهل العراق إلى الحكم الجديد أن المدائن عاصمة كسرى كادت تقع في بلادهم. فقد فرت قوات الفرس من المدائن ومن العراق كله إلى أرجاء إيران، فخلصت المدائن للعرب الفاتحين، ولأهل العراق الذين استقروا به منذ مئات السنين؛ لذا لا يحدثنا التاريخ عن انتقاض حدث في العراق بعد فتحه، سواء في عهد عمر أو عهد عثمان. وربما كان إنشاء البصرة والكوفة بأرض العراق وإقامة جند المسلمين بهما، وما كان لهذا الجند من قوة وبطش قد كان ذا أثر في استقرار الأمر بالعراق واستتباب السكينة في ربوعه.
فأما ما امتد إلى شرق العراق العربي من أرجاء فارس فقد بقيت الثورة كمينة في نفوس أهله، وبقيت لهم بقية ضئيلة من أمل في رجوع كسرى يزدجرد إليهم من منفاه في بلاد الترك ليعيد إلى بلاده مجد آبائه من بني ساسان. ولم يكن دافع هذا الأمل إلى نفوسهم عقيدة دينية تؤمن بها قلوبهم، فهم يدفعون عنها ويدفعون حياتهم ثمنا لها، بل كانت تحركهم إليه عزة قومية وطئها العرب بأقدامهم وبسنابك خيولهم. ولكن هذه العزة المهانة لم تبلغ من نفوسهم مبلغ التفاني في سبيلها، وبيع الأرواح بيع السماح لافتدائها.
Неизвестная страница