Усман ибн Аффан: между халифатом и царством
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Жанры
أعاد عمرو فتح الإسكندرية فتم بذلك جلاء الروم عن مصر للمرة الثانية، وهم لم يمض بين نزولهم الإسكندرية وفرارهم منها في هذه المرة غير أشهر. وفي هذه الفترة الوجيزة بلغ عمرو ما أراد، واطمأن أهل مصر كرة أخرى إلى عود المسلمين وإلى حكمهم. فقد ألفوا هذا الحكم من قبل وسكنوا إلى عدله. وهم اليوم أشد رضا به وسكونا إليه بعد أن رأوا الروم ينهبون أموالهم، ورأوا المسلمين يردون عليهم هذه الأموال بعد أن غنموها من الروم. فقد ذهب أهل القرى إلى عمرو حين استتب له الأمر في العاصمة وقالوا له: «إن الروم أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة.» فأراهم عمرو ما غنم المسلمون وطلب البينة ممن ادعى لنفسه شيئا منها، ورده على من أثبتت البينة صحة قوله. ولم يكن عمرو ولا كان أهل مصر بعد ذلك في ريب من أن ولاية مصر ستعود له كما كانت بعد الفتح الأول، وأنه سيتولى سياستها وتدبير أمرها بما عرف من عدله وحسن بصره بالأمور.
ولقد كان له ولأهل مصر أبلغ العذر عما اعتقدوا من ذلك. فيكف يخرج عثمان عمرا من مصر وقد أخرج عمرو الروم منها. ولكن عمرا قدر فأخطأ، وكان عثمان أبلغ منه كيدا. فقد تركه على ولاية مصر حتى عاد عبد الله بن سعد بن أبي سرح من غزو إفريقية، وذلك في تاريخ تختلف الروايات أكان في السنة السادسة والعشرين أم في السنة السابعة والعشرين للهجرة. عند ذلك أراد عثمان أن يقتصر عمرو على إمارة جند مصر، وأن يكون عبد الله بن سعد واليها وصاحب خراجها. ورأى عمرو في ذلك تعريضا بأمانته، وإيماء إلى أنه إن يكن قائدا ماهرا، فإن نزاهته ليست فوق مستوى الشبهات؛ لذا رفض ما أراد عثمان وقال: «أنا إذن كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها.» وعاد إلى مكة وفي نفسه من الحفيظة على عثمان ما سنرى أثره من بعد. يشهد بهذه الحفيظة أن عبد الله بن سعد بعث من خراج مصر، وعمرو بمكة، أكثر مما كان يبعث به عمرو، فقال عثمان يخاطب ابن العاص: «هل تعلم أن تلك اللقاح قد درت بعدك؟!» وأجابه عمرو: «وهلكت فصالها!» يريد أن المصريين أرهقوا بخراج لم يفرض هو عليهم مثله.
ولى عثمان عبد الله بن سعد مصر بعد عوده من غزو إفريقية في السنة السادسة والعشرين أو في السنة السابعة والعشرين للهجرة. وفي بعض الروايات أن عبد الله بن سعد استقل بولاية مصر قبل أن يذهب لغزو إفريقية، وأن هذا الغزو تم في السنة الثامنة والعشرين أو في السنة الثلاثين أو بعد ذلك. والرواة يذكرون هذه التواريخ ولا يؤكدونها. وأنا أرجح أن غزو إفريقية تم بعد أن قضى عمرو على ثورة الروم بمصر وجلائهم للمرة الثانية عن الإسكندرية، وأن ذلك كان في أواخر السنة الخامسة والعشرين، أو أوائل السنة السادسة والعشرين للهجرة؛ ولهذا الترجيح سند في كثير من الروايات، وله إلى جانب ذلك سببه. فما كان عثمان ليعزل عمرا عن مصر ويوليها عبد الله بن سعد ليبعثه توا إلى إفريقية، بل الأدنى إلى المنطق أن يظل عمرو بمصر يرد إلى ربوعها السكينة، وأن يذهب عبد الله بن سعد إلى إفريقية فلا يكون بقاؤه بمصر مثارا لنزاع بينه وبين عمرو. ومما يعزز هذا الترجيح أن عبد الله بن سعد لم يكن له في مقاومة الروم بمصر بلاء يذكر، وأن الذين يقولون: إنه قاومهم قبل أن يتولى عمرو بن العاص قتالهم يثبتون أن مقاومته باءت بالفشل.
وأنت تذكر أن ابن العاص كان قد سار إلى برقة إلى طرابلس ففتحهما بعد مصر في عهد عمر، وأنه أراد أن يتابع مسيرته ليفتح إفريقية، فنهاه عمر عن ذلك ورده عنه. فلما فتحت مصر للمرة الثانية أمر عثمان عبد الله بن سعد أن يسير إلى إفريقية وأمده بالرجال في قوة، اختلف أكانت عشرة آلاف، أم عشرين ألفا، أم أربعين ألفا. وتخطى عبد الله برقة وطرابلس حيث كان السلطان مطمئنا للمسلمين، وبلغوا إفريقية يريدون غزوها. وكانت إفريقية في تسمية العرب هي شمال القارة الإفريقية الممتد من تونس إلى طنجة في مراكش. وكانت هذه الأصقاع خاضعة لنفوذ الروم، متمتعة بحظ من الحكم الذاتي بإمرة أمير من الروم يدفع جزية عظيمة كل عام إلى بلاط بيزنطة. وفي قول أن حاكمها حين غزاها العرب، واسمه جريجوري (أو جرجير كما يسميه الطبري وابن الأثير وغيرهما) كان قد استقل بها على بيزنطة وأعلن نفسه إمبراطورا عليها. فلما تخطى عبد الله بن سعد حدود طرابلس إلى تونس لقيته قوات جريجوري بظاهر مدينة سبيطلة ومنعته من التقدم، وكانت هذه القوات جرارة ذكر مؤرخو العرب أن عددها بلغ مائة وعشرين ألفا أو مائتي ألف. ولقد ظل عبد الله بن سعد يداور هذه القوات يلتمس الوسيلة للظفر بها فلم يقدر. والراجح أنه أقام على ذلك أشهرا لا يواتيه النصر ولا يغلبه الروم. والراجح أنه كان يتقدم لمواجهتها أحيانا فلا ينال منها فيرتد عنها إلى طرابلس يريح ظهر رجاله ، ويأخذ ما هو في حاجة إليه من مدد ومؤن.
ظل عبد الله بن سعد على ذلك أشهرا انقطعت أخباره أثناءها عن مصر وعن المدينة، فأشفق عثمان أن يكون قد أصابه شر، فأمر عبد الله بن الزبير على جماعة من كبار المجاهدين بينهم طائفة من الصحابة والتابعين، وسيرهم مددا لعبد الله بن سعد يعينونه على النصر وينقذونه وجيشه من الفناء، وسار عبد الله بن الزبير ومعه عبد الله، وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأمثالهم، فتخطوا تهامة والحجاز إلى مصر. ثم برقة وطرابلس حتى بلغوا جند عبد الله بن سعد وهم يقاتلون الروم. وكبر المسلمون حين رأوهم واطمأنت نفوسهم إلى أن الله قد أذن لهم بنصر ظلوا أشهرا يطلبونه فلا يبلغونه.
وتجرى روايات بأن عبد الله بن الزبير لم يجد عبد الله بن سعد على رأس المقاتلين فسأل عنه فقيل: إنه مختبئ حذر. ذلك أنه سمع منادي جريجوري يقول: من قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي؛ لذلك خاف عبد الله أن يندس إليه من يقتله. وجاء ابن الزبير عبد الله بن سعد وأشار عليه أن يأمر مناديا ينادي: «من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف درهم، وزوجته ابنتي واستعملته على بلاده.» وفعل عبد الله ذلك، فصار جرجير أشد خوفا منه على نفسه.
وعجب ابن الزبير لإبطاء النصر كل هذا الإبطاء. فلما رأى المسلمين يقاتلون عدوهم من بكرة كل يوم إلى الظهيرة، فإذا كان الظهر عاد كل فريق إلى خيامه ليستأنف القتال بكرة الغد، أيقن أن الأمر على هذا النحو لن ينتهي إلى غاية، فذهب إلى مقر عبد الله بن سعد وقال له: «إن أمرنا على هذا النحو يطول مع هؤلاء، وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم. والرأي عندي أن تترك توا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين، ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا ويملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون، ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون، ونقصدهم على غرة فلعل الله ينصرنا عليهم.»
راق هذا الرأي عبد الله بن سعد، فاستشار فيه كبار الصحابة فأقروه. فلما كان الغد تولى عبد الله بن الزبير تنفيذه. ترك شجعان المسلمين في خيامهم وعندهم خيولهم وهم على أهبة القتال، وسار مع بقية الجيش، فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالا شديدا ثم لم يتركوهم ساعة الظهر حتى ألحوا عليهم بالقتال حتى أتعبوهم. وعاد ابن الزبير وقد أيقن الروم أن القتال لن يستأنف إلا بكرة الغد؛ ولذا ألقوا سلاحهم واستراحوا في خيامهم. لكنهم ما كادوا يفعلون حتى كان ابن الزبير قد عاد إليهم فغشيهم ومعه شجعان المسلمين الذين لم يقاتلوا في الصباح، فخالطوهم وحملوا حملة رجل واحد مهللين مكبرين، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقتلوا أميرهم جريجوري وأخذوا ابنته سبية فكانت من نصيب رجل من الأنصار.
سار عبد الله بن سعد بعد هذا النصر إلى سبيطلة، وكانت دار الملك، فحصرها وفتحها وغنم المسلمون منها أموالا عظيمة، وبلغ سهم الفارس منها ثلاثة آلاف دينار، وسهم الراجل ألف دينار.
ومن سبيطلة بعث ابن سعد جيوشه في البلاد فبلغت قفصة. وكذلك فتح المسلمون إفريقية سهلها وجبلها ومهدوا لانتشار دين الله فيها. وصالح عبد الله بن سعد أهلها على مليونين وخمسمائة ألف دينار، وفي رواية أنه صالحهم على ثلاثمائة قنطار ذهبا. وعاد عبد الله بن سعد من إفريقية إلى مصر بعد أن أقام بها خمسة عشر شهرا.
Неизвестная страница