166

ولكننا أسفنا غاية الأسف على احتمالهم لهذا العمل العظيم أفذاذا بلا معززين لهم من أبناء الديار المصرية، لا من المسلمين ولا من المسيحيين، أولئك الذين حفت بهم المكاره وداهمتهم مغيرات الرزايا من كل جانب، ولهم في البلاد نسب صريح، وورثوا ما أقاموا فيه عن آبائهم وأجدادهم من أجيال طويلة، وفيهم عارفون باللغات الأجنبية على اختلافها، ومنهم من نال شرف المعرفة على نفقة بلاده، وإنما كانت تعده البلاد لمثل هذه المهمات.

ألا يوجد بينهم شاب يغلي دمه وتجيش أحشاؤه لما نزل بدياره وبني وطنه مما يتألم له العالم أجمع؟! أو إن لم يكن هذا ففتى يعظم همه، ويسمو عزمه، فيطلب ذكرا رفيعا، وثناء باقيا، فتنهض همته للشكاية من مصابه ومصاب إخوانه، أو لإرشادهم إلى ما به من النجاة، وما يتوسلون به إلى الخلاص؟!

ألا يوجد شيخ قضى وطره من الدنيا وفاضت عليه البلاد بخيرها؛ يتذكر نعم الأوطان عليه، فينبعث لأداء شكرها بما يستطيع من خدمتها؟! ألا يوجد من هؤلاء وهؤلاء أغنياء لا يخافون إعداما فيتسامحون في بذل شيء من فضل ما لهم ينفقونه على أنفسهم في طلب الإنصاف لدى الدول التي يهمها النظر في شئونهم؟!

ألا يوجد فيهم من ورث عن آبائه ثروة واسعة وهو يبددها فيما لا يعود عليه بمجد ثابت ولا شرف دائم، فيجعل الإنفاق على نفسه في السفر لهذه الغاية المحمودة داخلا في دائرة إسرافه.

يا عجبا، ما هذا الخمول؟! ولم هذا الانزواء للذهول عما رزئت به أوطانهم؟! كيف وأسنة الحوادث مصوبة إلى أفئدتهم؟! وألسنتها تلغ في دماء قلوبهم العوز والحاجة؟! كيف وإنا نعرف فيهم الأغنياء الموسرين، ومن لا تنفد ثروتهم إلا بأيدي أعدائهم المتغلبين، إذا استمروا في تماديهم هذا الشح والحرص؟!

كيف وفيهم الأسخياء ومن أشرفوا في البذل على الإسراف والتبذير فيما لا ينالون منه إلا مدحة في الوجه، ورفعة لا وجود لها إلا في الوهم؟! الخوف والجبن.

كيف وقد بدا لهم أن الخطر في سكوتهم أشد من الخطر في عويلهم وصياحهم، الراحة مفقودة، والنظام مختل، والحقوق ضائعة، والفتن محدقة بهم، والأجانب ضربوا خناجرهم على حناجرهم، فلو لم يتداركوا أنفسهم بالسعي في كشف هذه البلايا لأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، بل الخطر كل الخطر إنما هو في إهمال مصلحة الوطن وليس على ساع في خير وطنه وملته في خطر إذا أتي البيوت من أبوابها، وطلب الغاية بأسبابها، فمن أي شيء يخافون، وأي سلطة يرهبون؟!

إن لم يكن لجراح الوطن أثر في أفئدتهم فأين الإحساس الطبيعي المودع في نفوس البشر، الباعث على المباراة والمنافسة؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.

الفصل السبعون

العدالة الإنجليزية!

Неизвестная страница