Успех в истории праведного Иосифа
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
Жанры
أما بعد ... فإن القضاء المحتوم لا بد من نفاذه على أي حال، ولكل إنسان أجل معلوم يؤدي إلى الارتحال، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، ودوام الحال محال، ولله عاقبة الأمور، وهو شديد المحال، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فيا مصعرا للناس خد علاه، بكرة وعشيا، إنما الفضل لمن أطاع مولاه، ولو كان عبدا حبشيا، أفتذهب بحمامة الفؤاد، على نار الأوزار شيا، وقد ساء مثل الذين في كل واد يهيمون. أما علمت أنك ستذوق من حياض الحمام صديدا حميما، ويتخلف عنك كل حمام ولو كان صديقا حميما، ثم تتنبأ يوم القيامة بما صبغت به أديما، وتندم ولات حين ندامة، على ما قدمت يداك قديما، وإنك ما فرطت في جنب الله لمغبون، فلا تستور زند الاستئثار، بحب الذات واللذات، فتكون نموذجا لذوي الاستبصار، في ملافاة ما فات، وأحسن إذا ساعدك الجد، إن الحسنات يذهبن السيئات، واعلم أن من جد وجد، وكل ما هو آت آت، وإن لنا الأسوة بالسلف الصالح، وهم السابقون الأولون.
فيا من اختط في مزاولة الأحكام خطة أريب، قل أن يضارعه في ضروب الأحكام ضريب، ويا من فارقت روحه عالم الأحياء في البلد الغريب، فاستمطر عليه شئون العلياء كل بعيد وقريب ، بعد أن استحالت الحال وبدلت الشئون. لقد أفحمت أمراء الكلام، عن الإلمام بما لك من آثار العمار، فكنت والحالة هذه حجة الإسلام، على كل ممار في هذا المضمار، فما الذي يحتمله مقام الإسناد، من جلائل الأفكار ومآثرك المذكورة في كل ناد، لا يشوبها جحود ولا إنكار، وهذه جواري أفضالك المنشآت في بحار العلوم والفنون. فرحم الله جدك، استنبطت ما كان كامنا في صدر كل عاقل حي، حتى صارت مصر حرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شي، ففجرت الأرض عيونا، حامت عليها حمائم الري، وملأت بأنوار الفضل عيونا، كانت تغشاها ظلمات الغي، وإن لك يا مولاي لأجرا غير ممنون.
ولقد راعيت جانب الاقتضاء، مستبقا في كل ميدان، فكانت لك اليد البيضاء، في استقصاء ما وراء السودان، ولكان عنايتك بكل مفيد، مما لا يحتاج إلى بيان، وصلت بحر القلزم ببحر سفيد، بعد أن كان بينهما برزخ لا يبغيان، وطال الفصال اتصالهما في الدول السابقة تمخضت القرون، ولقد جعلت المشورة قاعدة لسائر أعمالك، بدون استثناء، مستعينا بالله في قضاء آمالك، بما يستوجب مزيد الثناء. ثم تذرعت بأحسن ذريعة، فيما يمحو آثار اختلاف الأهواء، وشرعت للمحاكم المختلطة شريعة، سارت بالكل على خط الاستواء، بعد أن كانت تستحل بمصر حرمات القانون. ثم حذوت حذو جدك الفخيم في كل أمر ذي بال، وبلغت مقام إبراهيم بما لم يخطر على بال، فأيدت مقام الخلافة في مواطن الحروب، والحرب سجال، ودفعت عنها غوائل الكروب، بالمال والرجال، وكل ألف من جنودك بمائة ألف أو يزيدون، ومما يؤثر في تاريخ عليائك، أنك استصدرت خير رقيم، شددت به عضد أوليائك، من كل باد ومقيم، ثم بذلت غاية جهدك، في الاستئثار بالملك والملك عقيم، وجعلت في أكبر أبنائك ولاية عهدك، على عمود النسب المستقيم.
وقد أصبحت سدتك كعبة لذوي الحاجات، وهم من كل حدب ينسلون، ولم تزل قدوة لأولي الهمم القعساء، في اجتلاء كنوز المطالب، حتى ساء القدر وأساء، ولكل قضاء جالب، فتغاضيت جهد الإمكان، عن جناية الحظ السالب، فكان ما كان ، وإن أمر الله غالب. وقد تضاربت الأفكار وتخالفت الظنون، فلله درك حفظت علاقة هذه الديار كما تروم، بالخلفاء من بني عثمان، وسرت في بحر الروم، ميمما بلاد الرومان. ثم استدعاك صاحب الإمامة الكبرى، بعد حين من الزمان، فاحتملت على مر الحوادث صبرا، حتى حيل بين الروح والجثمان، ولم يدفع عنك المنون مال ولا بنون. كيف لا وقد دبت إلى فؤادك السليم عقارب الداء من سائر الأعضاء، وأصبح جسمك السليم يتقلب على أحر من الرمضاء، ثم أنفذت فيك الأقدار، أحكام القضاء، ولم يغن إنك من ذوي الأقدار، بعد أن وقعت الواقعة وحم القضاء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، ثم جئت من الآستانة على قدر، وقد احتدم أوار الغليل، وصار ماء اليم مشوبا بكدر، وإن كان النسيم غير عليل، ووجد عليك الأقربون والبعداء، من بيت إسماعيل، وتمنوا لو تأتي الفداء، والصبر عليل، وقد شاب الكدر على فقدك الصفا والحجون، فلا كان هذا الرزء الجليل، اتخذ سويداء المكارم غرضا، ولم يذر لك سوى الأثر الجميل، جوهرا ولا عرضا، ولقد كان الاحتفاء بجنازتك من عظائم الأمور، واجبا مفترضا، ثم أصبحت من سكان القبور، بالرغم لا بالرضا، ولمثل هذا يا مولاي فليعمل العاملون، أحسن الله عزاء المعالي، على احتسائك كأس الردى.
وأدام الجناب العالي (أفندينا عباس حلمي باشا)، علما مفردا، ولا برح لآل جده المشهور ملجأ وسندا، وحسام جده المشهور في ما يشاء مهندا، قائما فينا، بأمر الله في كل مفروض ومسنون، آمين.
طبعت في أواسط جمادى الثاني سنة 1313 هجرية.
ويلاحظ على هذه الخطبة، أنها لم تكن رثاء للخديوي إسماعيل فقط، بل كانت تأريخا لحياته وأهم إنجازاته. فعلى سبيل المثال نجد الإشارة إلى أن وفاته كانت خارج مصر، وبالأخص في الآستانة، ومن ثم نقل منها إلى مصر كي يدفن فيها. ثم نجد الإشارة إلى قيامه بتطوير مصر من حيث العمارة والعلوم والفنون. وهذه الإشارة تذكرنا بما قام الخديوي إسماعيل من إنشاء المباني والميادين والمناطق السكنية الحديثة، ولا سيما منطقة الأزبكية. أما في مجال العلوم ، فكفى أنه انشأ مجموعة كبيرة من المدارس، منها: التجهيزية، والمبتديان، وأركان الحرب، والطب البيطري، ومدرسة الأنجال. وفي مجال الفنون أنشأ: الأنتقخانة ببولاق، ودار الكتب المصرية، ومسرح الكوميدي فرانسيز، والسيرك، والأوبرا الخديوية.
ثم نجد الإشارة إلى تقدم الري في عهده، وذلك من خلال بناء القناطر وإقامة السدود وشق الترع. كما نجد الإشارة إلى اتساع سيادة الحكومة المصرية على الأراضي، التي وصلت إلى درجتين شمال خط الاستواء. كما نجد الإشارة إلى افتتاح قناة السويس، واتصال البحرين الأحمر والمتوسط، ذلك الاتصال الذي عجز عنه الحكام السابقون. وكذلك الإشارة إلى افتتاح مجلس شورى النواب، والمحاكم المختلطة. هذا بالإضافة إلى استصدار أهم الفرمانات العثمانية بتوريث الخديوية لأكبر أبناء الخديوي إسماعيل سنا، بعد أن كانت لأكبر أفراد أسرة محمد علي سنا.
8
ولعدم مناسبة الموقف الحزين للخوض في أسباب تخلي الفقيد عن حكمه، نجد تادرس وهبي يحيل الأمر على الحظ العاثر وقسوة القدر، الذي جعل الخديوي إسماعيل يتنازل عن الحكم لصالح ابنه الأكبر الخديوي توفيق، ومن ثم نفيه إلى نابولي وتنقله منها إلى الآستانة ... إلخ هذه الأمور. ثم نجده في النهاية يصف مشهد الجنازة المهيب، ويستخلص منها ومن حياة الخديوي العبر والمواعظ، التي تتناسب مع مقام الخطبة.
Неизвестная страница