كانت أحلام الوالد بابنته كبيرة وكان يهيئ لها مهرا يتسع لها به أن تقترن بأفضل شاب في لبنان.
ففي أحد الأيام قال لامرأته: إن أراضينا لا تغل علينا ما يكفي مئونة الحياة وما يتطلبه منا مستقبل فتاتنا؛ فلقد خطر لي خاطر عظيم وهو أن أبذر في كل مكان بذورا مختلفة من الحمص والعدس وما شاكل ذلك، وأذهب إلى بيروت حيث أتفق مع كبار التجار على أن أرسل إليهم كميات كبيرة من هذه الأصناف، فبهذه الطريقة نتوصل إلى الثروة في وقت قريب.
وما عتم أن أخرج فكرته هذه إلى حيز العمل، فقلب أرضه بمساعدة كثير من الفلاحين، وكان هو وامرأته يديران دفة الأشغال، فينهضان باكرا ويصرفان النهار كله في مساعدة العملة وإرشادهم وتشجيعهم، حتى إذا جاء المساء اتجه الجميع إلى خوان مركز على براميل أربعة تحت شجرة الطلح، فجلس أديب في الوسط وسكب الخمرة في الكئوس.
كان معظم هؤلاء العملة من الأرمن قادهم الأمل بالأرباح إلى سهول لبنان. •••
كل مساء عندما يعود فريد إلى المنزل يجد الأولاد الأحداث ينتظرونه أمام القنديل فيجلس إليهم ويشرع يفسر لهم أمثولاتهم ويساعدهم على حل الأرقام الحسابية، ففي ذات ليلة بينما كان الفتى يشرح كيفية رقم من الأرقام شعرت الفتاة الزرقاء بأنه يخطئ فقالت له: إنك تخطئ يا فريد فما الذي يشغل فكرك؟ وبمن أنت تحلم؟
كان يسمع ضحكة الفتاة ابنة أديب وصوتها العذب يتصاعدان من النافذة المجاورة! آه، إنه لم يكشف لأحد سر حبه الجميل! بل دفنه في أعمق أعماق صدره! ألم يكن من المضحك أن يحب وهو الفتى المسخ والفقير؟ ألم يكن من المضحك أن يحب ... من؟ أجمل فتاة ! كان يحبها ويهرب منها خلافا لبعض الفتيان الذين كانوا يختلفون دائما إلى منزل عملة السكة! وكان عندما يرى لبيب راغب المتخرج من جامعة «القديس يوسف» في بيروت، وحامل البريد الفتى الذي خلف عزيزا في وظيفته جميل هاني وغيرهم يترددون إلى منزل عملة السكة، يقول في نفسه: هؤلاء أيضا يفكرون في الفتاة ويحلمون بها!
ولكن بينا أصدقاؤه يحيطون بالفتاة ويتوددون إليها كان هو يمر أمامها بدون أن يلتفت أو أن يوجه إليها كلمة، فتمتعض من تصرفه هذا فتقول له: أتمر بدون أن تحيي يا فريد؟ ألا تقف دقيقة واحدة تحت الشجرة؟ فيجيبها: لا يتسع لي الوقت للتحدث، فالصغار ينتظرونني في المنزل لأشرح لهم أمثولاتهم. - كان يجب عليك إذن أن تحترف حرفة التعليم! يظهر لي أنك تسر جدا بتحليل الأرقام الحسابية والإعراب؟
وا حسرتاه! لقد نسي فريد وهو مستغرق في تصحيح الإعراب أن يعرب قلبه!
غير أنه كان شديد الفرح في تلك الليلة؛ لأنها كلمته وبسمت له! أجل، لقد كفاه غبطة أن تحدثه وتنظر إليه وتجمع إلى تذكاراته التي يضن بها إلا على الليل هذا التذكار الجميل!
2
Неизвестная страница