وَالصَّوْمُ جُنَّة١، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ﷿، وَلَخَلُوفُ فِيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ ﷿ من رائحة المسك"٢.
_________
= يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل، فيكتبه الحفظة، إنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب، فيقول: أنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف لا على كتاب له.
وقيل معناه: إن الصوم عبادة خالصة لا يستولي عليه الرياء والسمعة ليس كسائر الأعمال التي يطلع عليها الخلق، فلا يؤمن معها الشرك، كما جاء: "نية المؤمن خير من عمله"؛ لأن النية محلها القلب فلا يطلع عليها غير الله؛ تقديره: أن نية المؤمن مفردة عن العمل خير من عمل خالٍ عن النية، كما قال الله ﷾: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ أي: ليس فيها ليلة القدر.
قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه إلى نفسه ﷾؛ ولهذا قال في الحديث: "يدع شهوته من أجلي".
وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها، وقَلَّ أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم.
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" فقال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله ﷿ عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم فيحتمل ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة.
ويُحكى عن سفيان أيضًا في قوله: "الصوم لي" قال: لأن الصوم هو الصبر؛ يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، وثواب الصبر ليس له حساب. ثم قرأ: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ .
١ "الصوم جنة" أي: وقاية وسترة؛ قيل: من المعاصي؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعفها، وقيل: من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، النار محفوفة بالشهوات، وعند الترمذي وسعيد بن منصور: "جنة من النار"، ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح: "الصيام جنة ما لم يخرقها"، وزاد الدارمي: "بالغيبة".
ولا مانع من إرادة الأمرين، وتحقيق كل منهما يلزم منه تحقق الآخر؛ لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترًا له من النار.
وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال: حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلًا، والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة.
٢ "ولخلوف فيه أطيب عند الله ﷿ من رائحة المسك": الخلوف: تغير طعم الفم وريحه لتأخر الطعام، يقال: منه خلَف فمه يخلُف خُلُوفًا، ومنه =
1 / 70