أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحِ لِسُفْيَانَ هَذَا غيره.
_________
= وقال أبو بكر الصديق في تفسير ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال: لم يشركوا بالله شيئًا. وعنه قال: لم يلتفتوا إلى إله غيره، وعنه قال: ثم استقاموا على أن الله ربهم. وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: نص آية في كتاب الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على شهادة أن لا إله إلا الله.
ورُوي نحوه عن أنس ومجاهد والأسود بن هلال وزيد بن أسلم والسدي وعكرمة وغيرهم.
ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ فقال: لم يروغوا روغان الثعلب.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال: استقاموا على أداء فرائضه. وعن أبي عالية قال: ثم أخلصوا له الدين والعمل. وعن قتادة قال: استقاموا على طاعة الله.
وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة. ولعل من قال: إن المراد الاستقامة على التوحيد، إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرِّم صاحبه على النار؛ وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله؛ فإن الإله هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية إجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء، والمعاصي قادحة كلها في هذا التوحيد؛ لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان، قال الله ﷿: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ . قال الحسن وغيره: هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه، فهذا ينافي الاستقامة على التوحيد.
وأما على رواية من روى: "قل: آمنت بالله" فالمعنى أظهر؛ لأن الإيمان يدخل فيه الأعمال الصالحة عند السلف ومن تابعهم من أهل الحديث، وقال الله ﷿: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، فأمره أن يستقيم ومَن تاب معه، وألا يجاوزوا ما أمروا به وهو الطغيان، وأخبر أنه بصير بأعمالكم مطلع عليها، قال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ .
وقال قتادة: أمر محمد ﷺ أن يستقيم على أمر الله. وقال الثوري: على القرآن. وعن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية شمر رسول الله -صلى الله عليه سلم- فما رؤي ضاحكًا. خرجه ابن أبي حاتم. وذكر القشيري عن بعضهم: أنه رأى النبي -صلى الله عليه سلم- في المنام، فقال له: يا رسول الله، قلتَ: "شيبتني هود وأخواتها"، فما شيبك منهما؟ قال قوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ . وقال ﷿: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ .
وقد أمر الله تعالى بإقامة الدين عمومًا، كما قال: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .
وأمر بإقامة الصلاة في غير موضع من كتابه، كما أمر بالاستقامة على التوحيد في تينك الآيتين، والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمينة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها.
وفي قوله ﷿: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول =
1 / 65