Тавдымония
توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية
Издатель
دار الصميعي،الرياض
Номер издания
الطبعة الأولى
Год публикации
١٤١٦هـ/١٩٩٥ م
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
توضيح مقاصد المصطلحات العلمية في الرسالة التدمرية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
_________
١ سورة آل عمران، الأية: (١٠٢) .
٢ سورة النساء، الأية: (١) .
٣ سورة الأحزاب، الأيتان (٧٠، ٧١) .
1 / 5
أما بعد: -
فقد قمت بتدريس "الرسالة التدمرية"للفصل الدراسي الأول، عام ١٤١٥؟ للمستوى الرابع قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة-طالبات-وقد طلبن مني أن أوضح بعض المصطلحات الصعبة في "الرسلة التدمرية"في كتيَب.
واستجابة لطلبهن قمت بكتابة هذه الرسالة، ورتبت تللك المصطلحات على حسب ورودها في الكتاب، واعتمدت على نسخة طبعتها مكتبة التراث الإسلامي بمصر.
وأسأل الله القبول وحسن القصد والعمل وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
د. محمد بن عبد الرحمن الخميَس
٣/٩/١٤١٥؟
1 / 6
(١) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"فإنما مع حاجة كل أحد إليها ... " ١.
الشرح:
أقول: هذا الكلام فيه نظر ولعله من تحريف النساخ لأنه"لا يستقيم نحويا، لأن الخبر غير موجود ولعل الصواب: "فإنهما أصلان مهمان مع حاجة كل أحد إليهما.
(٢) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"فالكلام في باب التوحيد والصفات هو في باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات" ٢.
الشرح:
أقول: معناه: أن صفات الله تعالى نوعان:
الأول: صفات سلبية:
وهي صفات تسلب النقائص والعيوب عن الله تعالى مع إثبات أضدادها الكاملة.
نحو: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْم﴾ .
فالله تعالى لايعتريه نوم لكمل قيومته.
الثاني: صفات ثبوتية:
وهي صفات تثبت لله تعالى الكمال المطلق.
_________
١ التدمرية ص٣.
٢ التدمرية ص٣.
1 / 7
نحو "الحياة والسمع والبصر والقدرة والقدرة والعلم ونحوها"
(٣) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
" ... هو من باب الخبر ... " ١.
الشرح:
معناه: أن نصوص الشرع نوعان:
الأول: هو خبر عن الله تعالى: بذكر صفاته وأفعاله وأسمائه، وخبر عن الرسل والكتب وأمور الأخرة.
وهذا النوع من باب العقائد، لأنه إخبار إما إثباتا نحو: الله تعالى فوق عرشه عال على خلقه، والله على العرش استوى، وهذا من باب الإيجابيات.
وإما نفيا نحو: ليس كمثله شيء.
فهو خبر ولكن فيه النفي المثلية عن الله تعالى.
وهذا النوع يسمى أيضا العمليات لأنه من قبيل العلم دون العمل، لأن الأخبار علم.
الثاني: هو إنشاء: وهو أمر ونهي وليس طلبا. نحو: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ . ٢، ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ ٣.
وهذا النوع يسمى أيضا العمليات والأحكام.
_________
١ التدمرية ص٣.
٢ سورة الأنعام (٧٢) .
٣ سورة الإسراء (٣٢) .
1 / 8
(٤) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"والكلام في الشرع والقدر هو من باب الطلب والإرادة" ١.
الشرح:
معناه أن الشرع مشتمل على أمر ونهي وإباحة وهي من باب الطلب والإنشاء.
والماد من الشرع ههنا الأحكام العمليةز
نحو: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ ٢، ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ ٣.
١. وكذلك هذه الأحكام من باب الإرادة الدائرة بين المحبة والكراهية، فالأوامر كلها من باب المحبة، والنواهي كلها من باب الكراهية.
(٥) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
" ... وأما الكللام في القدر" ٤:
الشرح:
فقد صرح شيخ الإسلام في كلامه هذا: بأنه من باب الطلب والإرادة:
ولكن أقول: إن هذا يحتاج إلى التفصيل:
وهو أن القدر له جهتان، جهة الإخبار، وجهة الإرادة.
فالقدر من جهة الإخبار-هو من باب الخبر نفبا أو إثباتا، فإذا أخبر الله تعالى أنه قدر كذا وكذا-او أنه ليس بكذا فهو من باب الخبر.
_________
١ التدمرية ص٣.
٢ الأنعام (٧٢) .
٣ الأنعام (١٥٢) .
٤ التدمرية ص٣.-٤
1 / 9
وأما نفس القدر- فهو من باب الإرادة.
فالله تعالى قد أراد أشياء وأحبها فقدرها كونا وأرادها شرعا.
وأراد لم يحبها فقدرها كونا ولم يردها شرعا.
(٦) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن التوحيد في العلم والقول" ١.
الشرح:
معناه أن التحيد نوعان:
توحيد العبادة والألوهية وهو توحيد الله تعالى بأفعال العبد فالعبد لا يعبد إلا الله ولا يعبَد إلا له.
فالعبد لايقصد بأفعالع الا الله-﷿-ولا يريد بأعماله إلا الله تعالى فهذا النوع من التوحيد يتضمن القصد والعمل والإرادة.
وهو توحيد عملي فغلي قولي مالي بدني قصدي إرادي.
والنوع الأخر: هو توحيد الصفات.
فهو علمواعتقاد بأن الله تعالى متصف بالصفات الكمالية التامة ومنزه عن العيوب والنقائص.
فهذا التوحيد علمي اعتقادي خبري.
وهو توحيد قولي أيضا لأنه لابد فيه من القول باللسان مع الإعتقاد بالجنان.
_________
١ التدمرية ص٤.
1 / 10
ومن هذه الناحية دخل القول في النوع الأول أيضا لأن ذكر الله تعالى بأسمائه وصفاته نوع من القول وهو عبادة في الوقت نفسه.
فهذه اصطلاحات ولكل مصطلح وجه وتوجيه، ثم الاعتقاد بأن الله تعالى مستحق للعبادة، يدخل في النوع الثاني من التوحيد.
لأن هذا من باب العمل والقول والإخبار، وعبادة الله تعالى بتوحيد الصفات. تدخل في النوع الأول من التوحيد وهو توحيد الألوهية وتوحيد العمل والإرادة.
(٧) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لاحقيقة له عند التحصيل.." ١.
الشرح:
معناه: أن هؤلاء الكفار ومن معهم من الفلاسفة والجهمية، والمعطلة لايؤمنون بصفتات الله تعالى ولا يصفون الله تعالى بشيء من صفاته التي وصف بها نفسه ووصف بها رسوله ﷺ، وإنما يعتقدون أنهوجود مطلق خال عن الصفات التي تقيد الموصوف، والشيء إذا لم يكن له صفة فهو غير معقول؛ ولا يكون له وجود خارج الأذهان وإنما وجوده وجود ذهني. فالذهن يتصوره ولكن لا وجود له في الخارج فهوشيء معدوم؛ لأن المعدوم لا صفة له.
فالله تعالى عند هؤلاء الجهمية معدوم في الحقيقة ولا وجود له.
_________
١ التدمرية ص٨.
1 / 11
لأنهم يصفونه بصفات المعدوم بل الممتنع.
فيقولون: إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا كذا فهؤلاء مع كونهم غلاة المعطلة فهم مشبهة أيضا لأنهم شبهوا له بالمعدومات بل الممتنعات هذا أول نوع من المعطلة، وسيأتي أصناف أخرى من المعطلة.
(٨) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة ﵀:
"وجعلوا هذه الصفة الأخرى فجعلوا العلم عين العالم مكابرة ١.
الشرح:
هذه حكاية مذهب آخر لنوع آخر من المعطلة الغلاة. وهذا المذهب شبيه بالمذهب الأول؛
ولكنه أخف كفر، والأول أشد كفرا.
لأن الأولين كانوا يصفون الله بالسلب المطلق..
على وجه التفصيل ولا يصفونه بالإضافات، وأما هؤلاء المعطلة فقد وصفوه بالسلب، ولكنهم وصفوه بالصفات، أي: "بالصفات الإضافية" نحو قبل كل شيء وبعد كل شيء، ونحو ذلك من الصفات التي هي صفات بالنسبة إلى شيء آخر.
فهؤلاء بسبب إثباتهم الصفات الإضافية صاروا أخف كفرا من الأولين.
ولكنهم مع هذا كله قولهم في غاية التعطيل الذي يستلزم كون
_________
١ التدمرية ص٨.
1 / 12
الله تعالى معدوما بل ممتنعا مثل المذهب الأول؛ لأنهم لا يميزون بين الصفة وموصوفها، فيقولون باتحاد العالم، فجعلوا الصفة هي الموصوف، وجعلوا العلم هو العالم، كما أنهم لا يميزون بين صفة أخرى، فيقولون باتحاد العلم والقدرة على أن هذا معلوم فساده بالبداهة الضرورية.
هذا هو المذهب الثاني يتلوه المذهب الثالث.
(٩) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات" ١.
الشرح:
أقول: هذا نوع ثالث من المعطلة وهم كثير من المعتزلة فهم أثبتوا لله تعالى الأسماء ولكن بدون ما تدل علبه من المعاني الي هي صفات كمالية.
فجعلوا أسماء الله تعالى كأسماء الأعلام المجردةعن المعاني نحو زيد، وعمر وبكر بدون ملاحظة أي صفة وأي معنى هذا هو معنى (الأعلام المحضة) فالعلم المحض لا معنى له غير المسمى نحو زيد، فمعنى زيد هو المسمى بزيد لا غير وهكذا جعلوا أسماء الله تعالى أعلاما محضة بدون معنى مع أن أسماء الله تعالى نحو السميع والبصير والعليم مع دلالتها على الله تعالى. تدل على معان هي صفات كمالية، وهي السمع والبصر والعلم.
_________
١ التدمرية ص٨.
1 / 13
فليست أسماء الله تعالى كالأعلام المحضة بل هي أسماء مع دلالتها على الصفات الكمالية.
(١٠) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة ﵀:
" ... المترادفات" ١:
الشرح:
كون الأسماء المتعددة دالة على مسمى واحد بدون تعدد المعاني: كأن يكون لشيء واحد أسماء عديدة بدون ملاحظة معانيها فهؤلاء الجهنية جعلوا أسماء الله تعالى: من السميع والبصير والقدير والعليم. أسسماء لمسمى واحد بدون ملاحظة معانيها وهذا تعطيل سافر.
(١١) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"ومنهم من قال عليم بلا علم وقدير بلا قدرة سميع بصير بلا سمع ولا بصر.." ٢.
الشرح:
أقول: هذا صنف آخر من المعتزلة الجهمية.
وقولهم هذا لا يختلف عن قول الصنف الأول إلا في التعبير، وإلا فكلهم يثبتون الأسماء دون ما تدل عليه من الصفات الكمالية.
غير أن الأولين لا يصرحون بأن الله عليم بلا علم، بل يقولون
_________
١ التدمرية ص٨.
٢ التدمرية ص٨.
1 / 14
عليم وسميع ولا صفة له ولكن هؤلاء يفسرون قولهم فيقولون: إنه عليم بلا غلم سميع بلا سمع.
(١٢) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة-﵀:
"ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات كما تقتضيه المععقولات ١.
(الشرح):
معناه: أن زيدا وعمرا وبكرا قد تكون من المتماثلات وصفاتهم من المتماثلات فالعقل يجوز أن زيدا مثل عمرو وصفة زيد مثل صفة عمرو مثلا.
والخالق والمخلوق من المختلفات.
فالعقل يحكم أن الخالق لا يشبه المخلوق فهكذا صفة الخالق لا تشبه ضفة الخلوق.
وهؤلاء يدعون أنهم من أهل المعقولات.
ولكنهم في الحقيقة من المجهولات وأهل السفسطة والقرمطة ولذلك تراهم يفرقون بين المتماثلات ويسوون بين المختلفات فيزعمون أنه لو ثبت لله تعالى صفة لكان مشابها للمخلوق فسووا بين المختلفات.
ونفوا القدر المشترك بين الصفات ففرقوا بين المتماثلات.
_________
١ التدمرية ص٨-٩.
1 / 15
(١٣) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة-﵀:
"ولكننهم من أهل الجهولات المشبهة بالمعقولات" ١.
الشرح:
معناه: أن هؤلاء المعطلة بسبب تعطيلهم، ليسوا أصحاب العقول والعلوم والأدلة والبراهين المعلومة، بل هم أصحاب الأمور الجهلية المجهولة، التي لا تزيدهم الا جهلا على جهل وعمى على عمى وضلالا على ضلال وظلمات على ظلمات، وهي شبهات وليس أدلة ولكن هذه الشبهات المجهولة اشتبهت عليهم فظنوها أدلة قطعية وبراهين قوية، مع أنها كاسرة مكسورة وشهات محضة.
(١٤) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمبة-﵀:
"والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع" ٢.
الشرح:
أقول:الحادث في الإصطلاح العام للمناطقة والمتكلمين ما وجد بعد أن لم يكن، فهو مرادف للمخلوق.
وقد يطلق "الحادث"ويراد به المتجدد- فيكون أعم من المخلوق.
فالحادث على هذا قد يكون مخلوقا كالحوادث اليومية في الكون
_________
١ التدمرية ص٨-٩.
٢ التدمرية ص٨-٩.
1 / 16
وكذا الكون نفسه وقد لا يكون مخلوقا على كونه متجددا؛ نحو قوله تعالى:
﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ ١.
فالذكر المحدث هو القرآن.
وهو غير مخلوق وإن كان متجدداز
والمراد من "الحادث" في كلام الشيخ هو المعنى الأول وهو المخلوق.
و"الممكن" هو ما استوى طرفاه أي وجوده وعدمه غير ضروري.
فالممكن إذا ترجح جانب وجوده فالله تعالى يخلقه ويوجده بعد أن لم يكن.
و"الواجب" ما كان وجوده ضروريا، كالله تعالى فإن وجوده واجب أي ضروري "أو الممتنع" فهو ما كان عدمه ضروريا كوجود خالقين مثلا أو الشريك لله تعالى.
فإنه لايمكن أن يكون لله شريك لا عقلا ولا شرعا.
_________
١ سورة الأنبياء، الآية: ٢.
1 / 17
(١٥) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الإسم المطلق" ١.
الشرح:
أقول: إن الجهمية يزغمون أنه لو ثبت لله الصفات لكان مشابهاللمخلوقات.
فرد عليهم شيخ الإسلام وقال لهم:"إنه لا شك أن الله تعالى يطلق عليه أنه موجود والمخلوق يطلق عليه أنه موجود.
فكلاهما يشتركان في الوجود العام الكلي المطلق الذي لا خصوص فيه ولا تقييد.
فهذا هو معنى"الاسم المطلق" أي الاسم العام الذي لا خصوص فيه ولا تقييد فيه.
فمن هذه الناحية يشترك الله تعالى والخلق في الوجود المطلق العام.
وهذا هو القدر المشترك.
لأن كل واحد موجود، ولكن سرعان ما يزول التشبيه ويتحقق الفارق بين وجود الله تعالى وبين وجود المخلوق.
لأن"الوجود" قبل الإضافة كان له مفهوم عام مطلق غير مقيد وغير مخصص.
_________
١ التدمرية ص٩.
1 / 18
ولكن إذا قيد (الوجود) بإضافته إلى الله تعالى صار فيه تخصيص وتقييد، وكذا إذا أضيف (الوجود) إلى المخلوق صار فيه تخصيص وتقييد.
لأن كل صفة تناسب موصوفها فوجود الله تعالى غير وجود الخلق ووجود الخلق غير وجود الخالق فمن هنا ارتفع التشبيه وتحقق الفارق فلا تشبيه إذا في إثبات الصفات لله تعالى فزالت شبهة الجهمية.
(١٦) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين السميين وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق" ١.
الشرح:
أقول:هذا الكلام تفصيل وتفسير وتوضيح للكلام السابق.
وخلاصته:أن "العلم"مثلا له جهتان جهة العموم والإطلاق وعدم التخصيص وعدو التقييد.
فلا شك أنه بهذا الإعتبار كلي ورسم مطلق وأمر عام، ومشترك بين علم الله تعالى وبين علم المخلوق.
ولكن "العلم" بهذا الإعتبار لا وجود له في الخارج لأن الكلي الاسم والشيء العام لا يوجد في الخارج.
_________
١ التدمرية ص١٠.
1 / 19
وإنما يتصوره الذهن فقط دون وجوده في الأعيان لأن الشيء من حيث عمومه لاوجود له في الواقع وإنما الموجود هو الأفراد بخصوصها لا بعمومها فالعلم المطلق من حيث إنه كلى مشترك لا وجود له في الخارج وإنما وجوده وجود ذهني فقط، يتصور العقل وجوده في الأذهان دون الأعيان.
ولكن إذا قيد"العلم"ويقال "علم" الله تعالى، أو "علم" المخلوق فحينئذ يوجد في الخارج لأنه صار مقيدا خاصا بسبب الإضافة، فالآن لا اشتراك فيه ولا تشبيه فإذا قيل علم الله وعلم المخلوق تميز علم الله عن علم المخلوق.
(١٧) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"ما دل عليه الاسم بالموطأة ... " ١.
الشرح:
أقول: هذا أيضا شرح للكلام السابق وتفسير له.
وحاصله:أن "العلم" مثلا قبل الإضافة وقيل التقييد وقبل التخصيص:يطلق على"علم"الله تعالى وعلى "علم" المخلوق إطلاقا سويا، فغلم الله أيضا "علم" وعلم المخلوق "علم" والعلم يطلق عليهما على حد سواء.
_________
١ التدمرية ص١٠.
1 / 20
هذا هو معنى "المواطأة" ومعنى "الاتفاق" فالكلى المتوطىء هو ما يدل ويطلق أفراد عى حد سواء كإنسان لفإنه يطلق على زيد وبكر على السواء ويقابله الكلى المشكك كالأبيض فإنه يطلق أفراد ولكن مع التفاوت والزيادة والشدة في بعض أفراده دون بعض فإن بياض هذا الجدار أشد من بياض ذلك الجدار مثلا.
(١٨) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"وإن قلت:الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال له:الإرادة ميل النفس الى جلب منفعة أو دفع مضرة.
فإن قلت:هذه إرادة المخلوق قيل لك:وهذا غضب المخلوق" ١.
الشرح:
أقول: هذا نقصان وإلزامان من جانب شيخ الإسلام للرد على هؤلاء الجهمية المعطلة الذين يعطلون بعض الصفات بشبهة التشبيه دون بعض فيثبتون لله الإرادة. ولكن ينفون عنه الغضب بشبهة التشبيه، لأن الغضب عندهم غليان دم القلب بطلب الانتقام، والله تعالى منزه عن الدم والقلب فإذا ثبت لله تعالى "الغضب" صار مشابها لخلقه.
هذه كانت شبهة التشبيه فعارضهم شيخ الإسلام وقال لهم: قولكم هذا متناقض متهافت مضطرب لأنكم نفيتم "الغضب" لحجة
_________
١ التدمرية ص١٥.
1 / 21
التشبيه فهلا نفيتم عنه "الإرادة" مع أن الإرادة ميل النفس إلى جلب المنفعة ودفع المضرة، والله تعالى منزه عن ميل النفس عندكم وكذا عن جلب المنفغة ودفع المضرة لأنه غني غير مختاج، هذه كانت معارضة أولى والمعارضة الثانية: هي:
أنه إن قالوا في الجواب:إن هذه إرادة ألمخلوق لا إرادة ألخالق فيقال لهم، هذا غضب المخلوق دون غضب الخالق،فلا تشبيه البتة.
إذا لا بد من إثبات الصفات كلها غضبا كانت أو إرادة أو غيرها.
(١٩) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"عدم الدليل المعين لايستلزم عدم المدلول المعين" ١.
الشرح:
معناه:أن المدلول (العوى) أو (المطلوب) قد تكون له أدلة كثيرة.
فإذا انتفى دليل واحد لا يستلزم ذلك انتفاء ذلك المدلول،لأن ذلك المدلول ثابت بأدلة أخرى غير ذلك الدليل.
فانتفاء الدليل المعين الخاص لا يستلزم انتفاء المدلول؛
مثال ذلك أن الشمس ثابتة بأدلة كثيرة منها الحس ومنها النور ومنها الحرارة فإذا انتفى دليل الحس في الأعمى مثلا لا يستلزم انتفاء الشمس.
لأن الشمس ثابتة بدليل النور وبدليل الحرارة أيضا.
_________
١ التدمرية ص١٦.
1 / 22
(٢٠) (قال) شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀:
"فإن قلت إنما يمتنع نفى النقيضين عما يكون قابلا لهما، وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب..
فإن الجدار لا يقال له: أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت ... " ١.
الشرح:
أقول: النسبة بين الشيئين قد تكون نسبة التخالف فهما متخالفان.
والمتخالفان إن كان أحدهما وجوديا والآخر عدميا.
١- والمتخالفان إن كان أحدهما وجوديا والآخر عدميا، فهما نقيضان نحو الإنسان واللا إنسان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
٢- وإن كان كلاهما وجوديًا ولا يمكن أن يجتمعا ولكن يجوز ارتفاعهما نحو الإنسان والحجر.
فالإنسان والحجر لا يجتمعان في محل واحد.
فلا يقال: هذا الشيء إنسان وحجر، ولكن يجوز ارتفاعهما.
فيقال: هذا الشيء لاحجر ولا إنسان لأنه كتاب.
_________
١ التدمرية ص١٨.
1 / 23
٣- وإن كان تعقل أحدهما موقوفا بتعقل الآخر فهما متضائفان. نحو الأب والابن.
فزيد يمكن أن يكون أبا وابنا في جهة واحدة ولكن يجوز ان يكون أبا لشخص وابنا لشخص آخر ولكن لايتصور الأب بدون الابن ولا الابن بدون الأب.
٤- وإن كان أحدهما وجوديا والآخر عدميا ولكن محل العدمى قابل للوجودي. فهما عدم وملكة.
نحو العمى والبصر.
فالعمى: عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا.
وإذا علمت هذا فاعلم: أن من الجهمية من قال: إن الله تعالى لا حي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم فينفى عنه النفي والإثبات، فرد عليهم شيخ الإسلام بأن هذا رفع للنقضين وهذا باطل بإجماع العقلاء.
فقال هؤلاء الجهمية: إن هذا ليس من قبيل رفع النقيضين، بل هذا من قبيل العدم والملكة؛ ويجوز في العدم والملكة أن يرتفعا فيقال: هذا الجدار لا أعمى ولا بصير، لأن المحل إذا لم يكن قابلا يجوز حينئذ أن تنفي عنه العدم والملكة.
فأجاب شيخ الإسلام بأن الوجود والعدم ليس منقبيل العدم والملكة بل هما من قبيل الإيجاب والسلب أي هما من قبيل المتناقضين، ولا يجوز رفع المتناقضين كما لا يجوز اجتماعهما هذا أول جواب وهو يتعلق بالوجود والعدم.
1 / 24