Иллюстрация пути в ответ человеку из Танжера
إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة
Издатель
مؤسسة النور للطباعة والتجليد
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٣٨٥ هـ
Место издания
الرياض - المملكة العربية السعودية
Жанры
إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
مؤسسة النور
Неизвестная страница
من مطبوعات دار الإفتاء
(توزع مجانًا)
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم بقلم:
مفتي البلاد السعودية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد فقد اطلعت على هذا المؤلف لفضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري الموسوم (بإيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) كشفًا للشبهات للردود عليه وإبطالا لترهاته، فوجدته ردا كافيًا شافيًا، فجزى الله الشيخ حمودًا خيرًا وزاده من التصدي لنصرة الدين ورد شبهات المبطلين.
قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ... ١٤/ ٥/ ١٣٨٥
الختم:
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين. والعاقبة للمتقين. ولا عدوان الا على الظالمين.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين. ﷺ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد فقد وقفت على مؤلف لاحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني من اهالي طنجة البلدة المعروفة في اقصى المغرب. سماه «مطابقة الاختراعات العصرية. لما اخبر به سيد البرية» فرأيت فيه اخطاءا كثيرة من تأويل الآيات والأحاديث على غير تأويلها ومن وقيعة في انصار الدين. ومدح واطراء لاعداء الدين. إلى غير ذلك من الاخطاء التي قد شوه بها كتابه. وقد نبهت على ما لا يسع السكوت عنه من تلك الاخطاء خشية ان يغتر بها من قل نصيبه من العلم النافع.
والله المسئول ان يوفقني واخواني المسلمين لما يحب ويرضى من الاقوال والاعمال. وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه. ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل.
وما اشير اليه من صفحات الكتابِ فالمراد بذلك الطبعة الثانية سنة ١٣٧٩ هـ مطبعة محمد عاطف.
1 / 4
فصل
قال المؤلف في خطبة الكتاب ما نصه.
أما بعد فان علم النبي ﷺ بالغيب واطلاع الله تعالى اياه على ما كان وما يكون الى قيام الساعة والى ان يصير الفريقان الى منازلهم من الجنة أو النار، بل وما بعد ذلك الى ما لا نهاية له من الازمان، معلوم ضرورة لأهل الايمان، مقطوع به عند اهل المعرفة والإيقان؛ لا يختلف في ذلك منهم اثنان ولا يشك فيه فاضلان.
والجواب ان يقال أما اطلاع الله تعالى لرسوله محمد ﷺ على ما كان وما يكون الى قيام الساعة والى أن يصير الفريقان الى منازلهم من الجنة أو النار فهذا صحيح، وقد جاء في ذلك عدة احاديث ذكر المصنف بعضها، منها حديث عمر ﵁ قال قام فينا رسول الله ﷺ مقاما فاخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل اهل الجنة منازلهم واهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه رواه البخاري تعليقا مجزوما به ووصله الطبراني وأبو نعيم.
ومنها حديث حذيفة ﵁ قال لقد خطبنا النبي ﷺ خطبته ما ترك فيها شيئا الى قيام الساعة الا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله. رواه الامام احمد والشيخان وابو داود.
ومنها حديث حذيفة ايضا ﵁ قال اخبرني رسول الله ﷺ بما هو كائن الى ان تقوم الساعة فما منه شيء الا قد سألته الا اني لم أسأله ما يخرج اهل المدينة من المدينة رواه الامام احمد وابو داود الطيالسي ومسلم.
1 / 5
ومنها حديث ابي زيد وهو عمرو بن اخطب الانصاري ﵁ قال صلى بنا رسول الله ﷺ الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فاخبرنا بما كان وبما هو كائن فاعلمنا احفظنا رواه الامام احمد ومسلم.
ومنها حديث ابي سعيد الخدري ﵁ قال صلى بنا رسول الله ﷺ يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون الى قيام الساعة الا اخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه رواه الامام احمد وابو داود الطيالسي والترمذي والحاكم.
وقال الترمذي هذا حديث حسن.
ومنها حديث المغيرة بن شعبة ﵁ قال قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا اخبرنا بما يكون في امته الى يوم القيامة وعاه من وعاه ونسيه من نسيه رواه الامام احمد والطبراني.
ومنها حديث عمر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ (ان الله ﷿ قد رفع لي الدنيا فانا انظر اليها والى ما هو كائن فيها الى يوم القيامة كأنما انظر الى كفي هذه) رواه الطبراني.
وأما علمه ﷺ بما بعد دخول الجنة والنار الى ما لا نهاية له من الازمان فهذا لا دليل عليه. وقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقد استدل المصنف على ذلك بقول الله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا. الا من ارتضى من رسول) ولا دليل في الآية على ما ذهب اليه.
1 / 6
فصل
وقال المصنف في صفحة ٦ وصفحة ٧ ما نصه.
فمن تلك الامور العظام التي قال ﷺ اننا سنراها بابور السكة الحديد والاوطمبيل والبسكليتة وما في معناها.
وقد اخبر بها ﷺ بخصوصها ووردت الاشارة اليها في القرآن والاحاديث النبوية.
أما القرآن ففي ثلاث آيات حسبما حضر لنا، الآية الاولى قوله تعالى (وآية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) أي خلقنا لهم مما يماثل الفلك المشحون ما يركبون في البر. والذي يماثل الفلك المشحون في كبره وكثرة حمله هو بابور السكة الحديد وسيارات النقل التي تحمل عشرات الركاب مع بضائعهم وحاجياتهم وتكون مارة كأنها الاعلام طولا وعلوا كما وصف الله تعالى به السفن الجواري في البحر كالاعلام. وكذلك بابور السكة الحديد بل هو أولى بالشبه والمثلية للفلك المشحون.
أما المفسرون الذين فسروا المثل في الآية بالابل فمعذورون لانه لم يكن في زمانهم ما يشبه الفلك في حمل الركاب والبضائع فاضطروا لحمل الآية على الابل، وان كان حملا باطلا مقطوعا ببطلانه لان الفلك المشحون يحمل العشرات من الناس باثقالهم ويحمل مع ذلك الكثير من السلع والبضائع، وهذا بالنسبة لما كان في زمانهم، أما ما حدث
1 / 7
في زماننا فالسفينة تحمل الآلاف من الناس ومن القناطر المقنطرة من البضائع، ثم السفن التي كانت في زمانهم ايضا مع كبرها وحملها الكثير من الركاب والاثقال كانت تجري في البحر جريا حثيثا بالرياح كما قال تعالى (وله الجواري المنشئات في البحر كالاعلام).
وكل ذلك مخالف لوصف الابل تمام المخالفة فمشيها بطيء للغاية وحملها لا يقاس بحمل السفن بل كانت السفينة تحمل ما يزيد على حمل مائة بعير، فكيف يصح تفسير الآية بها، بل ذلك باطل قطعا.
وإنما الذي يماثل الفلك المشحون تمام الماثلة في كثرة حمله وسرعة سيره في البحر هو بابور السكة الحديد ثم السيارات فهي المرادة بالآية جزما.
وقد قال ابن عباس والحسن والضحاك وجماعة في الآية المذكورة وخلقنا لهم سفنا امثال تلك السفن يركبونها. قال النحاس وهذا اصح لانه متصل الاسناد عن ابن عباس، وهذا يدل على شفوف نظر ابن عباس ﵄ ونظره بنور الله تعالى في معاني القرآن الكريم تصديقا لدعاء رسول الله ﷺ اذ قال «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». فان وجود السفينة في البر لا يخطر ببال احد ولا يكاد ينطق به عاقل في ذلك الوقت، ولكن ابن عباس ﵄ نظر الى الغيب من ستر رقيق اذ قال ذلك فكان هو المطابق للحال الموافق للواقع، انتهى المقصود من كلامه. وفيه ثلاثة أخطاء.
1 / 8
الأول: قوله ان حمل الآية على الابل باطل مقطوع ببطلانه.
والثاني: قوله ان بابور السكة الحديد والسيارات هي المرادة بالآية جزما.
والثالث: زعمه ان ابن عباس ﵄ حين قال وخلقنا لهم سفنا امثال تلك السفن يركبونها اراد بذلك السيارات وبابور السكة الحديد.
والجواب عن هذه الاخطاء وعما ذهب اليه في تفسير الآية من وجوه.
الأول: أن الله تعالى عبر في الآية بصيغة الماضي الذي قد وقع فقال تعالى (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون). وهذا صريح في إرادة السفن الموجودة في زمن النزول وما قبله. ولو كان المراد بها ما حدث بعد النزول باكثر من الف وثلاثمائة سنة لعبر عن ذلك بصيغة المستقبل.
وهذا ظاهر في ابطال ما جزم به المصنف في تفسير الآية الكريمة، يوضح ذلك.
الوجه الثاني: وهو ان الله تعالى امتن على عباده بما يسره من حمل ابائهم في سفينة نوح ﵊ وجعل ذلك من آياته الدالة على كمال قدرته. ثم امتن عليهم بما خلق لهم من السفن المشابهة لسفينة نوح ليشكروه على ما انعم به عليهم ويفردوه بالعبادة. واول من خوطب بهذا التذكير والامتنان هم كفار قريش ومن حولهم من أحياء العرب.
1 / 9
ويدل على ذلك قوله تعالى في اول السورة (لتنذر قوما ما انذر اباؤهم فهم غافلون) وقوله بعد الآية التي ذكر فيها الفلك (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين).
وليس من المعقول ان يخاطبهم الله تعالى ويذكرهم بما لا يعرفونه وان يمتن عليهم بما يحدث بعدهم باكثر من الف وثلثمائة سنة.
الوجه الثالث: ان الله تعالى عقب الآية بقوله (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون) وهذا واضح في إرادة السفن التي تجري في البحر. ولو كان المراد ما حدث من السيارات وبابور السكة الحديد لكان ذكر الغرق ههنا لا معنى له ولا فائدة في ذكره.
الوجه الرابع: ان ابن عباس ﵄ قال في تفسير الآية هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح على مثلها. وكذا قال ابو مالك والضحاك وقتادة وابو صالح والسدي ان المراد بذلك السفن. وهذا يرد ما زعمه المصنف من ان ابن عباس ﵄ اراد بذلك السيارات وبابور السكة الحديد.
وقال العوفي عن ابن عباس ﵄ يعني بذلك الإبل. فانها سفن البر يحملون عليها ويركبونها. وكذلك قال عكرمة ومجاهد والحسن وغيرهم. ويشهد لهذا قول الله تعالى (وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون. وعليها وعلى الفلك تحملون) وهذا يرد قول المصنف إن حملها على الابل باطل مقطوع ببطلانه. والقول الأول أقوى وأولى بظاهر الآية والله أعلم.
1 / 10
الوجه الخامس: ان الصحابة ﵃ اعلم بتفسير القرآن ممن جاء بعدهم ولا سيما حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس ﵄، وقد فسر المراد من الآية بالسفن وفسره ايضا بالابل لاشتراكها مع السفن في حمل الاثقال والركوب عليها ومع هذا يقول المصنف ان حمل الآية على الابل باطل مقطوع ببطلانه، وهذه جراءة عظيمة على مقام حبر الأمة، ومن قال بقوله من أكابر التابعين.
الوجه السادس: ان الباطل قطعا هو جزم المصنف بان المراد بالآية السيارات وبابور السكة الحديد، وعزوه ذلك الى ابن عباس ﵄ وذلك من القول عليه بما لم يقله.
الوجه السابع: ان القول في القرآن بمجرد الرأي حرام. وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك كما في الحديث الذي رواه الامام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ انه قال «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وروى الترمذي ايضا وابو داود وابن جرير والبغوي عن جندب بن عبد الله البجلي ﵁ قال قال رسول الله ﷺ (من قال في القرآن برأيه فاصاب فقد اخطأ) قال الترمذي هذا حديث غريب.
قال وهكذا روي عن بعض اهل العلم من اصحاب النبي ﷺ وغيرهم انهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم.
1 / 11
وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم انهم فسروا القرآن فليس الظن بهم انهم قالوا في القرآن او فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا انهم لم يقولوا من قبل أنفسهم، ثم ساق باسناده عن قتادة انه قال مافي القرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا.
وباسناده عن مجاهد انه قال لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم احتج ان أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت انتهى كلام الترمذي.
وقال البغوي قال شيخنا الامام قد جاء الوعيد في حق من قال في القرآن برأيه وذلك فيمن قال من قبل نفسه شيئا من غير علم.
قال وأما التفسير وهو الكلام في اسباب نزول الآية وشأنها وقصتها فلا يجوز الا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل انتهى.
ولا يخفى ان تفسير المصنف لقول الله تعالى (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) وجزمه بان المراد بذلك السيارات وبابور السكة الحديد لم يكن من طريق النقل الثابت وانما هو تفسير بمجرد الرأي فهو بذلك متعرض للوعيد الشديد والله أعلم.
1 / 12
فصل
وقال المصنف في صفحة ٧ وصفحة ٨ ما نصه.
الآية الثالثة قوله تعالى في اشراط الساعة (واذا العشار عطلت) أي عن السفر عليها وحمل الاثقال عليها.
والعشار هي الابل التي قد أتى عليها عشرة أشهر كما قال ثعلب وأئمة اللغة. وانما عطلت عن السفر ونقل السلع والبضائع عليها بوجود السيارات وبوابير سكة الحديد فانها بعد ظهورها لم يعد احد يسافر على الابل او يرسل بضائعه عليها الا نادرا جدا فيما لم يمكن سفر السيارات اليه حتى ان عرب الحجاز وجزيرة العرب تضرروا غاية لما عبدت الطرق في بلادهم وانتشرت فيها السيارات التي عطلت ابلهم عن العمل الذي كانوا منه يرتزقون. وقد ورد التصريح بهذا ايضا عن رسول الله ﷺ فقال مسلم في صحيحه حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عطاء بن ميناء عن ابي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ «والله لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها» الحديث. القلاص بكسر القاف جمع قلوص بفتحها وهي من الابل كالفتاة من النساء. فقوله ﷺ ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها تعيين للمراد من قوله تعالى. واذا العشار عطلت. يعني يترك استخدامها في السفر ونقل البضائع كما كان حالها من قبل.
1 / 13
والجواب عن هذا من وجوه:
الأول: ان الآيات في أول سورة التكوير ليست واردة في أشراط الساعة كما زعم ذلك المصنف، وإنما هي في أهوال يوم القيامة كما هو واضح من سياق الآيات، وكما هو ظاهر من كلام المفسرين من الصحابة وأئمة التابعين، والدليل على ذلك ما رواه الإمام احمد والترمذي والحاكم عن ابن عمر ﵄ قال قال رسول الله ﷺ «من سره ان ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ (اذا الشمس كورت). وإذا (السماء انفطرت). (وإذا السماء انشقت)» قال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
الوجه الثاني: ان تفسيره لآية التكوير تفسير بمجرد الرأي. وقد تقدم ان ذلك حرام ومتوعد عليه بالوعيد الشديد.
الوجه الثالث: ان أبي بن كعب ﵁ وغير واحد من أكابر التابعين فسروا الآية بغير ما فسرها به المصنف وهم أعلم بكتاب الله منه. والمرجع في التفسير اليهم وإلى أمثالهم، لا إلى المتكلفين كالمصنف وأمثاله من العصريين. قال أبي بن كعب ﵁ في قوله تعالى (وإذا العشار عطلت) قال أهملها أهلها، وقال عكرمة ومجاهد هي عشار الإبل، قال مجاهد عطلت تركت وسيبت وقال الربيع بن خثيم لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها. وقال الضحاك تركت لا راعي لها.
قال ابن كثير والمعنى في هذا كله متقارب.
1 / 14
قال والمقصود ان العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا ارغب شيء فيها بما دهمهم من الامر العظيم المفظع الهائل وهو امر يوم القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها. وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك لا سبيل لهم إليها.
قلت ويقوي هذا القول ما تقدم ذكره من حديث ابن عمر ﵄.
الوجه الرابع: ان العشار من الإبل لا يركبها أهلها ولا يحملون عليها إلا في النادر، وإنما يركبون ويحملون على الذكور من الإبل والحوائل من إناثها ولا سيما الشواب منها وهي المراد بالقلاص قال الجوهري القلوص من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء وقال العدوي، القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة. والقعود أول ما يركب من ذكور الإبل إلى أن يثني فإذا أثنى فهو جمل وربما سموا الناقة الطويلة القوائم قلوصا. وقال صاحب القاموس القلوص من الإبل الشابة أو الباقية على السير خاص بالإناث. وقال مرتضى الحسيني في تاج العروس قال ابن دريد هو خاص بالإناث ولا يقال للذكور قلوص انتهى.
وإذا كانت العشار لا تركب ولا يحمل عليها إلا نادرا فأي متعلق للمصنف في قوله تعالى. (وإذا العشار عطلت). إذ لا دليل فيها على ما ذهب إليه.
1 / 15
الوجه الخامس: أن المصنف جعل معنى الآية ومعنى ما في حديث أبي هريرة ﵁ واحدا وليس الأمر كذلك، فإن التعطيل المذكور في الآية هو تركها بالكلية لاشتغال الناس عنها بما حل بهم من الهول العظيم. واما الترك المذكور في حديث أبي هريرة فهو ترك السعي عليها لا تركها بالكلية وأين هذا من ذاك.
وقد اختلف في معنى ترك السعي على القلاص فقال النووي معناه أن يزهد فيها ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهو شبيه بمعنى قول الله ﷿. وإذا العشار عطلت. ومعنى لا يسعى عليها لا يعتني بها أي يتساهل أهلها فيها ولا يعتنون بها هذا هو الظاهر وقال القاضي عياض وصاحب المطالع معنى لا يسعى عليها أي لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها.
قلت وهكذا قال ابن الأثير وابن منظور في لسان العرب أن معنى لا يسعى عليها أي لا يخرج ساع إلى زكاة لقلة حاجة الناس إلى المال واستغنائهم عنه.
قال النووي وهذا تأويل باطل من وجوه كثيرة. قلت بل هو أقوى وأظهر من قول النووي. ويؤيده ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة الباهلي ﵁ عن النبي ﷺ في ذكر الدجال ونزول عيسى ﵊، وفيه قال رسول الله ﷺ «فيكون عيسى بن مريم ﵊ في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية
1 / 16
ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير» الحديث وهو مطابق لحديث أبي هريرة الذي تقدم ذكره في كلام المصنف ومفسر لمعنى ترك السعي على القلاص اذ كل من الحديثين وارد فيما يكون في أيام عيسى ﵊ فما أبهم في حديث أبي هريرة ﵁ فهو مفسر في حديث أبي أمامة ﵁.
ويؤيده أيضا ما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه» هذا لفظ مسلم.
وفي الصحيحين أيضا من حديث حارثة بن وهب وأبي موسى ﵄ عن النبي ﷺ نحوه. وروى الإمام أحمد والبخاري من حديث عدي بن حاتم ﵁ عن النبي ﷺ نحو ذلك أيضا.
ومما يرد قول النووي ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال «ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا (١) قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض ابله فيصعق ويصعق الناس».
وهذا يدل على أن الرغبة في اقتناء الإبل لا تزال باقية إلى أن ينفخ في الصور لا كما يقول النووي أن أهلها يزهدون فيها ولا يعتنون بها.
_________
(١) الليت: صفحة العنق وهما ليتان، وأصغى: أمال «نهاية».
1 / 17
ويحتمل أن يكون معنى قوله وتترك القلاص لا يسعى عليها أي يترك ركوبها في الأسفار والحمل عليها وهذا مطابق للواقع في هذه الأزمان وإن كان قول عياض ومن وافقه أقوى منه من حيث الدليل.
ويحتمل أن يكون كل من الأمرين مرادًا في الحديث أعنى ترك السعي عليها للصدقة وترك ركوبها والحمل عليها والله أعلم.
الوجه السادس: أن عرب الحجاز وجزيرة العرب لم يتضرروا من تعبيد الطرق في بلادهم وانتشار السيارات فيها كما زعمه المصنف بل انتفعوا به كثيرًا واستراحوا من كثير من المشقة والعناء مما كان يصيبهم بسبب السفر على الابل والحمل عليها، وكان ارتزاقهم بسبب السيارات أعظم بكثير من ارتزاقهم بسبب الإبل. وانتفعوا أيضا بكثرة أثمان الإبل فقد كانت الناقة الجيدة في زمن السفر على الإبل والحمل عليها تساوي مائة ريال او نحوها وأما الآن فتساوي سبعمائة وثمانمائة وربما زادت على الألف وهذا خير لأهل الإبل مما كان من قبل.
فصل
وفي صفحة (٨) جزم المصنف ببقاء استعمال السيارات إلى زمان نزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام.
وهذا مما لا ينبغي الجزم به لأن ما يقع في المستقبل أمر غيبي لا يعلمه إلا الله تعالى قال الله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) وقال تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) وقال تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) الآية.
1 / 18
وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم نزول الغيث إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله، ولا يعلم الساعة إلا الله، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت» رواه الإمام أحمد والبخاري.
وإذا علم هذا فإثبات ما يكون في المستقبل يحتاج إلى دليل قاطع من نصوص الكتاب أو السنة، ولا دليل على ما ذكره المصنف فلا ينبغي إذن الجزم ببقاء السيارات إلى زمان نزول عيسى ﵊ فقد يفنيها الله ويفني صانعها كما أفنى القرون الأولى وأفنى صنائعهم معهم وأبقى من آثارهم نموذجا يسيرا أدهش به المتأخرين وحيرهم كالأهرام المصرية وغيرها من الآثار القديمة.
ولا ينبغي أيضا الجزم بعدم السيارات فقد يبقيها الله تعالى إلى زمان نزول عيسى ﵊.
والمقصود ههنا أنه لا يجوز الخوض في الأمور المستقبلة بمجرد الظن والتخرص، بل يرد علم ذلك إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما كان وما يكون. لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
1 / 19
فصل
في صفحة (٩ و١٥) جزم المصنف أن الدجال وأعوانه يسيرون في الطائرات والسيارات.
وهذا مما لا ينبغي الجزم به لان ما يكون في المستقبل لا يعلمه إلا الله تعالى، وليس مع المصنف دليل قاطع فيما ذهب إليه.
وأما قوله في حديث النواس بن سمعان ﵁ قلنا يا رسول الله وما اسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح فلا يلزم منه أن يكون سيره على الطائرات والسيارات بل قد تخرق له العادة إما بطي الأرض وإما بغير ذلك.
وقد جاء في حديث جابر ﵁ قال قام رسول الله ﷺ ذات يوم على المنبر فقال: «يا أيها الناس إني لم أجمعكم لخبر جاء من السماء - فذكر حديث الجساسة وزاد فيه - هو المسيح تطوى له الأرض في أربعين يوما». الحديث رواه أبو يعلى بإسنادين قال الهيثمي: رجال أحدهما رجال الصحيح.
وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد ﵁ أنه قال «الدجال يخرج في نقص من الناس وخفة من الدين وسوء ذات بين، فيرد كل منهل فتطوى له الأرض طي فروة الكبش» الحديث وفيه «ولا يسخر له من المطايا إلا الحمار فهو رجس على رجس» وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط البخاري ومسلم.
1 / 20