كل يوم بثمانين درهما فلما مضى عليه خمس سنين انحرف مزاجه وانكسر زجاجه وهجمت عليه الامراض فانفصل عنه وهو راض وعين له الثمانون حسب ما هو العادة والقانون وتوفي رحمه الله في اول الربيعين من شهور سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة وكان المرحوم بحر المعارف ولجة العلوم واصلا الى التحقيق ومالكا لازمة التدقيق مشاركا في العلوم العقلية وبارعا في الفنون النقلية خصوصا في الفقه وبابه فانه من اكبر اربابه وكان رحمه الله خليقا بالمرتب العلية والمناصب السنية الا انه خانه دهره ولم يساعده عصره عوضه الله تعالى عن المراتب الدنيوية بالدرجات الاخروية وكان رحمه الله ذا خصائل رضية وشمائل مرضية متخلقا باخلاق الله قانعا باليسير من دنياه شيخا مباركا متبركا فاز كثير من تلاميذه وفاق على أقرانه وقد صدر عنه بعض الحالات الشبيهة بالكرامات منها ان وزير زمانه إبراهيم باشا امر ان يعطي مدرسته معلم غلمانه فلم يقدر قاضي العسكر على مخالفته وعصيانه لشدة باسه وقوة سلطانه فأحضر المرحوم وعرض عليه المرسوم وقال له لا بد من قبول هذا الحكم فليس لك الا الرضا بالقضاء فاضطرب المرحوم واظهر النفرة عنه وعدم الرضا فلم يجد لنفسه ناصرا ومعينا فقام عنه كئيبا حزينا وترك الاسباب وأغلق الباب وتوجه الى جناب ربه وبات فإذا المعلم في تلك الليلة مات هكذا ينجح ويظفر بالامال من اخلص التوجه الى جناب حضرة المتعال ومن توكل على الله كفاه ومن التجأ الى غير بابه صفرت كفاه وما احسن قول من قال اعذب من ماء الزلال :
وكم لله من لطف خفي
يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم يسر اتى من بعدعسر
ففرج كربة القلب الشجي
وكم امر تساء به صباحا
وتأتيك المسرة بالعشي
اذا ضاقت بك الاحوال يوما
فثق بالواحد الفرد العلي
وقد كتب رحمه الله حشية على بعض المواضع من شرح المفتاح للشريف يرد فيها على المولى ابن كمال باشا في المواضع التي يدعي التفرد فيها وله عدة رسائل على مواضع من حاشية التجريد للشريف وله شرح لمتن المراح من علم التصريف
Страница 373