واستنبطوا الْعِلَل وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَت لَهُم صنائع انْدَفَعُوا إِلَيْهَا بسليقتهم المخلوقة فيهم كَمَا ينْدَفع الْعَاقِل فِي أَمر يعن لَهُ فَأَرَادَ قوم أَن يسردوا صنائعهم الَّتِي ذكروها مفصلة فِي كتبهمْ أَو أشاروا إِلَيْهَا فِي ضمن كَلَامهم أَو خرجت من مسائلهم وَإِن لم يذكروها وتلقت عقول الْخلف أَكثر صنائعهم بِالْقبُولِ لما جبلوا عَلَيْهِ من السليقة فِي مثل ذَلِك ثمَّ صَارَت أمورا مسلمة فِيمَا بَينهم وعَلى قِيَاس ذَلِك لما أفرغوا جهدهمْ فِي رِوَايَة الحَدِيث وَمَعْرِفَة الصَّحِيح من السقيم والمستفيض من الْغَرِيب وَمَعْرِفَة أَحْوَال الروَاة جرحا وتعديلا وَكِتَابَة كتب الحَدِيث وتصحيحها جروا فِي تِلْكَ الميادين بسليقتهم المخلوقة فِي عُقُولهمْ ثمَّ جَاءَ قوم آخَرُونَ وَجعلُوا صنائعهم تِلْكَ كليات مدونة وَهَاهُنَا فَائِدَة جليلة هِيَ أَن من شَرط الْعَمَل بِمثل هَذِه الْمُقدمَات الْكُلية أَن لَا تكون الصُّورَة الْجُزْئِيَّة الَّتِي يَقع فِيهَا الْكَلَام مِمَّا سبق للعقلاء فِيهَا ضد حكم الكليات لِأَنَّهُ كثيرا مَا يكون هُنَاكَ قَرَائِن خَاصَّة تفِيد غير حكم الكليات وأصل الجدل هُوَ اتِّبَاع الكليات وَإِثْبَات حكم قد قضى الْعقل الصراح بِخِلَافِهِ لخُصُوص الْمقَام كَمَا إِذا رَأَيْت حجرا وأيقنت أَنه حجر فجَاء الجدلي فَقَالَ الشَّيْء إِنَّمَا يعرف باللون والشكل وَنَحْوهمَا وَهَذِه الصُّورَة قد تشابه الْأَشْيَاء فِيهَا فنقض ذَلِك الْيَقِين بِأَمْر كلي وَلَا يعلم الْمِسْكِين أَن الْيَقِين الْحَاصِل فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة أكبر من اتِّبَاع الكليات فإياك أَن تغرك أَقْوَالهم عَن صَرِيح السّنة وَالِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْقسم رَاجع إِلَى التَّحَرِّي وَسُكُون الْقلب وَبِالْجُمْلَةِ الإختلاف فِي أَكثر أصُول الْفِقْه رَاجع إِلَى التَّحَرِّي واطمئنان الْقلب بمشاهدة الْقَرَائِن وَقد أَشَارَ النَّبِي ﷺ إِلَى أَن التَّكْلِيف رَاجع إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ التَّحَرِّي فِي مَوَاضِع من كَلَامه مِنْهَا قَوْله ﷺ فطركم يَوْم تفطرون وأضحاكم يَوْم تضحون قَالَ الْخطابِيّ معنى الحَدِيث أَن الْخَطَأ مَوْضُوع عَن النَّاس فِيمَا كَانَ سَبيله الإجتهاد فَلَو أَن قوما اجتهدوا فَلم يرَوا الْهلَال إِلَّا بعد ثَلَاثِينَ فَلم يفطروا حَتَّى استوفوا الْعدَد ثمَّ ثَبت عِنْدهم أَن الشَّهْر كَانَ تسعا وَعشْرين فَإِن صومهم وفطرهم مَاض وَلَا شَيْء عَلَيْهِم من وزر أَو عتب وَكَذَلِكَ فِي الْحَج إِذا أخطأوا يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِم إِعَادَته ويجزئهم أضحاهم ذَلِك وَإِنَّمَا هَذَا تَخْفيف من الله سُبْحَانَهُ ورفق بعباده وَمِنْهَا قَوْله الْحَاكِم إِذا اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وكل
1 / 9