خاطبها جاستون متحدثا عن المعارك الناشبة مع الفرنساوية في جرجا. وقال: إن رجلا مغربيا بمكة دعا إلى الجهاد ضد الفرنساوية في مصر، فاجتمع نحو الستمائة من المجاهدين، وركبوا البحر إلى القصير، ثم انضم إليهم جملة من أهل الصعيد وبعض أتراك ومغاربة.
نقلت هذه الأخبار إلى أستاذي. وقضيت الوقت في غرفتي. ولم أجد رغبة في مراجعة اللغة. وبعد الغروب ذهب أستاذي عند الشيخ السادات الذي دعا بونابرت إلى العشاء بمناسبة عيد مولد السيدة زينب. وعند عودته روى لي ساخرا ما وقع من حديث، فقد قال بونابرته إن العرب رعوا الفنون والعلوم في زمن الخلفاء، لكنهم اليوم في جهل عميق، ولم يبق لهم شيء من معارف أسلافهم؛ فرد السادات بأنه قد بقي لهم القرآن الذي يحوي جميع المعارف، فتساءل ساري عسكر ما إذا كان القرآن يبين طريقة سبك المدافع، فأجاب المشايخ بجسارة: نعم.
أمضيت الليلة عاجزا عن النوم. استرجعت ما وقع بيني وبين بولين عدة مرات وأنا أتعجب لجفائها.
الجمعة 14 ديسمبر
عاد الشاب إبراهيم الصباغ بعد أن أبل من مرضه. كان نحيفا في سني ويبدو عليلا. عرفتني عليه بولين. تطلع إلى منضدتي وفهمت أني أجلس في مكانه. قالت له بولين: اتركه بجواري فنحن ندرس اللغات، وأشارت إلى المنضدة المجاورة لجاستون فجلس إليها.
اتفقنا على تقسيم العمل بيننا. وعرفت منه أنه حفيد الوزير السابق لضاهر العمر وكان كاثوليكيا يونانيا. وأن كفاريللي احتضنه ويعلمه اللغة الفرنسية والجغرافيا والرسم.
السبت 15 ديسمبر
حضرت المناقشات المسائية في الحرملك على أمل أن أراها، لكنها لم تأت. وكان كفاريللي موجودا بخشبته وبرفقته إبراهيم الصباغ.
ألقى أحدهم بيانا عن وضع الأرض الزراعية. وقال إن تنظيف قنوات الري والإصلاح من شأن التربة بزراعة الأشجار المعمرة التي تقي أوراقها من لهيب الشمس سيجعل مصر من جديد مخزنا لغلال أوروبا كما كانت يوما للإمبراطورية الرومانية.
سأله واحد عن حكاية الالتزام، قال: إن الملتزمين هم الذين يحوزون الأراضي، ويحصل الفلاح على حق زرع قطعة من الأرض بالشراء، فإذا مات كان على وريثه أن يعيد شراءها من جديد. ويدفع الفلاحون للملتزمين أيضا رسوما سنوية تقدر بثلاثين مليونا من الفرنكات كل عام، ومن هذه الملايين يدفع الملتزمون ستة ملايين ضرائب محلية، ومثلها للسلطان، ومثلها لشيوخ البلد الذين هم وكلاء للملتزمين، و8 ملايين للجباة الأقباط، و4 ملايين يجمعها حكام الأقاليم عينا مثل الجمال والخيول، كما يدفع الفلاحون 9 ملايين لقبائل البدو كي لا يغيروا عليهم. وفي النهاية لا يتبقى للفلاح شيء.
Неизвестная страница