تركني حنا واقفا بعض الوقت. ثم عاد فرحا وقال: معلمنا القديس يعقوب يريد أن يراك.
قادني إلى حجرة بالطابق العلوي. جلسنا ننتظر وبعد قليل دخل المعلم يعقوب فقمت لتحيته. صافحني قائلا: عرفت أنك صعيدي مثلي. أنا من ملوي.
قلت: وأنا من أسيوط.
قال وهو يجلس في مقعد ويدعونا للجلوس: أهلها ذوو شجاعة وجراءة.
قلت: ولا يخونون بلادهم.
تبسم وقال: حدثني حنا عنك. اسمع. أنا لم أخن بلادي. ولم أفعل مثل المشايخ الذين يذهبون متمسحين إلى بونابرته كل صباح. لقد انضممت إلى الفرنسيين بدافع رغبة وطنية لتخفيف معاناة أبناء وطني. هل يرضيك أن تظل مصر في يد الأجانب الأجلاف من أتراك ومماليك؟ لا بد من الخلاص منهم كي تستقل مصر وتنتقل بأكملها إلى أيدي المصريين من أقباط ومسلمين.
قلت: لكننا وقعنا في أيدي الفرنسيين وهم لن يتركونا أبدا.
قال: إن أية حكومة مهما كانت تعتبر أفضل لمصر من حكومة الأتراك.
صمت لحظة ثم قال: أنا ما زلت أتطلع للاستعانة بالدول الأوروبية لعمل الخير لبلادنا.
غير فجأة مجرى الحديث وحدثني عن المكتبة التي أعمل بها وعما بها من كتب. واكتشفت أنه يقرأ كثيرا باللغات. ثم أثنى على حنا واصفا إياه بأنه من «رجالنا المخلصين». وأخيرا نهض واقفا وقال: أنا أحب الحديث معك. لكن كما رأيت هناك كثيرون ينتظرونني. ربما دبر لنا حنا لقاء آخر.
Неизвестная страница