هذه أمثلة من فراسة المقابلة مهما قيل فيها فإنها لا تخلو من طلاوة وفكاهة وفائدة.
هذه مبادئ علم الفراسة على ما بلغ إليه جهد أصحابه في أبحاثهم حتى الآن، وقد قلنا في صدر هذا الكتاب - فراسة الأعضاء بالتفصيل - أننا لا نتحمل تبعة شيء من ذلك إلا ما نخصه بدليل فيسيولوجي أو نبدي رأينا فيه.
قلنا ذلك لأننا نرى بعض تلك الأقوال يعسر تصديقه، وإن كان أكثرها صحيحا على إجماله وفي أكثر وجوهه، فالفراسة عندنا صحيحة وإن كثرت شواذها، وقواعدها العامة صادقة وإن اختلفت في تفاصيلها عند تطبيقها، على ما نراه من أشكال أعضاء معارفنا وما نعلمه من أخلاقهم؛ لأن لذلك الاختلاف أسبابا طارئة بيناها في كلامنا عن «هل الفراسة علم صحيح» و«هل تصدق الفراسة دائما» فلتراجع هناك.
وأما كون الفراسة علما صحيحا فمما لا نشك فيه، من يرى وجه الأمير بشير الشهابي شكل
47
ولا يتوسم فيه الشجاعة وعلو الهمة والإقدام؟ ومن يتفرس في وجه جمال الدين الأفغاني شكل
41
ولا يرى الذكاء وحدة الذهن تتجليان فيه، وقس على ذلك ما يقع عليه نظرنا من وجوه الناس على اختلاف مواهبهم وقواهم، ويغلب أن نستدل على أخلاقهم وأطوارهم من النظر إلى وجوههم.
ومما لا بد من الانتباه له أنه لا يجوز لنا الحكم في أخلاق رجل بمجرد الاستدلال بعضو من أعضاء وجهه، فإذا رأينا أنفه رومانيا لا يجوز لنا الحكم بعلو همته وإقدامه إلا إذا لم نر في فراسة أعضائه الأخرى ما ينافي ذلك، وإذا رأينا حنكه عريضا قد لا يصح حكمنا بثباته ورباطة جأشه ما لم تؤيده أشكال الأعضاء الأخرى، إذ قد يكون في دلالات تلك الأعضاء ما يناقض ذلك. أما إذا تدبرنا كل الأعضاء واتخذنا معدلا وسطا فيندر أن يخطئ حكمنا.
وقد أتينا في كلامنا عن «هل تصدق الفراسة دائما» على الأسباب التي تدعو إلى خطأ الفراسة في بعض الأحوال، ونزيد على ذلك الآن أن التربية والعقل من أكبر تلك الأسباب؛ لأن الإنسان قد يولد وفيه ميل خلقي إلى بعض الرذائل، وترى ذلك الميل ظاهرا في وجهه، فإذا تربى وتثقف وكان عقله كبيرا وإرادته قوية استعان بهما في التغلب على ذلك الميل، وقد يتغلب عليه وتبقى دلالة تلك الرذيلة بادية في بعض ظواهره، فيؤخذ ذلك ذريعة لتكذيب علم الفراسة، وقس عليه.
Неизвестная страница