يحتاج الخطيب إلى العقل السليم والحكم الصحيح كما يحتاج إليهما كل رجل كبير، ولكنه يحتاج أيضا إلى إحساس دقيق وعواطف قوية؛ لأن الخطابة عبارة عن التأثير على عواطف الناس أكثر مما على عقولهم، فإذا لم يكن الخطيب شديد العواطف حر القول كان كلامه باردا وبراهينه جافة، ولا بد له من الفصاحة والتوسع في اللغة وحدة الذهن وسرعة الخاطر وقوة التصور، فإذا كان مع ذلك متعلما مهذبا تمت له معدات الخطابة ونبغ بين أقرانه.
على أن هندي أميركا أو فلاح أوستراليا قد يكون خطيبا ولو كان جاهلا، لأنه يؤثر على عواطف سامعيه بما يبديه من الانفعالات الشديدة وما يرتسم في عينيه وشفتيه من دلائل الإخلاص والغيرة كأنه يتكلم من القلب إلى القلب.
تلك هي الخطابة الحقيقية، وهذا هو سرها، ولا يؤثر كلام الخطيب في سامعيه إن لم يكونوا يعتقدون في الإخلاص وصدق اللهجة.
فلا بد للخطيب من أن يكون طيب العنصر خفيف الروح حتى يحبه الناس ويكون لكلامه وقع.
اقرأ خطب الإمام علي خطيب الإسلام فترى الإخلاص والحمية تتجليان بين سطورها.
وإذا تأملت في صور الخطباء أمامك رأيت ديموستين في الوسط والأعلى، وهو بالحقيقة شيخ الخطباء وأستاذهم، وترى دماغه كبيرا وأنفه لطيفا وفمه مملوءا حبا.
وشيشرون كان عضلي المزاج عصبيه ودماغه كبير جدا وعيناه مملوءتان ذكاء وحدة.
وكان أشنس واسع الجبهة، وهنري كلي كان عاليها، وكذلك بتريك ووليم هنري ووليم ويرت.
ولكن مهما اختلفت أشكال جباههم فإنك ترى الذقون متشابهة فيهم جميعا بعظمها وبروزها إلى الأمام والأسفل، وبروز الحنك والذقن يدل على شدة العواطف والثبات والحزم، وترى ذلك ظاهرا على الخصوص في ميرابو الخطيب الفرنساوي وبورك وهويتفيلد وغيرهم.
شكل 9: أشهر الشعراء. (1)
Неизвестная страница