Наука литературной психологии: основы литературной философии
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Жанры
والحيوان يختلف عن النبات من قبيل غرضيته بأنه ذو نزعات متمركزة في الجهاز العصبي، وهي التي تعين الغرض وتوجه الحركة إليه، والإنسان يمتاز على الحيوان من هذا القبيل بأنه يدرك غرضه ويفهمه ويفهم تمركز نزعاته واتجاهها إلى غرضه، وفوق ذلك يدرك أن له مركزا أعلى يسيطر على هذه النزعات وعلى الغرض، والنبات متوقف على ما تقدمه الطبيعة لغرضه. والحيوان ساع إلى غرضه حسبما تهيئه له الطبيعة، ولكن الإنسان يستخرج غرضه من الطبيعة عنوة، فهو يدبر عالمه. وأما الحيوان والنبات فعالمهما يدبرهما.
وحاصل القول أن غرض الإنسان يعينه الإنسان نفسه لنفسه، لا الطبيعة تعينه له، والحيوان منقاد بغرضه، والإنسان منقاد بتصور غرضه، وقد يبتدع غرضه. والغرض ممنوح من قبل الطبيعة حسب سننها، والحيوان خاضع خضوعا أعمى لسنن الطبيعة، والإنسان يتمشى حسب سنن الطبيعة وهو فاهمها؛ ولهذا يتدبرها موفقا بينها وبين غرضه: تارة مجاريا، وأخرى مداريا أو متفاديا، حسبما يتراءى له السبيل الأكفل لغنم غرضه. ذلك هو معنى قولنا: إن الإنسان يتعقل، وإن سلوكه معقول، وإن ضميره استند إلى تعقله، وإن أدبيته متوقفة على تعقليته. (6-2) التعقل والأغراض العليا
مما تقدم تفهم أن التعقل طرأ على الحياة الإنسانية، ووظيفته التكييف والتهيئة للتوفيق بين الواسطة والغاية وحسبان النتيجة؛ أي إنه يدبر السلوك ويوجهه في السبيل المؤدي إلى الغرض، أو الغرض الذي يمكنه أن يجده في الطبيعة، أو يستطيع أن يستخرجه من قلبها. فالإنسان ليس حيوانا مائيا، ولكنه يستطيع أن يعيش في وسط الماء في سفينة أو غواصة، ولا هو عصفور هوائي، ولكنه استطاع أن يستنبط طيارة تطير في الهواء، فالإنسان بقوة تعقله هذه إذن هو أحيل الأحياء.
ولا يخفى أن أغراض الحياة القصوى وجدت فيه كما وجدت في الحيوانات، وهو يتحرك بغرائزه وأهوائه وشهواته إلى تحقيق غاياتها كالحيوان، ولكن وجد فيه، دون الحيوان، تعقل لا تقف وظيفته عند تدبير الوسائل لإرضاء تلك الغرائز والشهوات التي يشترك بها مع الحيوان، بل تتمادى وظيفة هذا التعقل إلى ابتداع أغراض أخرى أجود وأسمى وأمنح لسعادة أعظم، تكبح جماح تلك الغرائز والشهوات أو تقمعها بتاتا.
قد تتراءى هذه الأغراض السامية مناقضة لسنة البقاء التي يتمشى عليها كل حي؛ كالتضحية لأجل الإنسانية، وحب المعرفة لأجل المعرفة نفسها، والمروءة المتهورة إلى غير ذلك، ولكن أقل تأمل في هذه الأغراض السامية يريك أنها مبادئ أساسية لإسعاد المجتمع الذي يتقاسم خيره الأفراد، وللمضحي حصة منه، فضلا عن ابتهاج نفسه بثناء المجتمع.
ولأقل تأمل أيضا، ترى أن هذه الأغراض العليا التي استنبطها التعقل أكثر عددا، وأعظم قيمة، وأوفر إسعادا من الأغراض الجسدية أو الوقتية أو الفردية، بل هي الأغراض التي تتألف منها الحياة الإنسانية على العموم، وحياة الفرد الاجتماعية على الخصوص. وهذه الحياة المتألفة من هذه الأغراض هي ما يسعى الإنسان الآن حرصا على بقائها ويجاهد لأجلها.
على أن هذه الأغراض السامية تختلف عن الأغراض التي تحرك الفعل إليها الشهوات والغرائز الجسدية بأمرين؛ أولا: بأننا نبتغيها دائما ولكننا لا نحصل عليها كاملة، بل نشعر دائما بنقص فيما نحصله منها؛ ولذلك نطمع بأن نحصل على ما هو أتم منها؛ لأنها تشق السبيل إلى ما هو أبعد، فهي إذن بيئة المثل الأعلى. وأما الأغراض الحيوانية أو الجسدية فينتهي حدها عند الحصول عليها، ولا تدفع الحي إلى ما هو أبعد منها.
إذن لأن الأغراض الإنسانية تعقلية هي قابلة الرقي، وأما الأغراض الجسدية فليست هكذا، ثانيا: أن هذه الأغراض العليا تشتمل السيطرة على الأغراض الجسدية وتنظيم الحياة الإنسانية على قواعد أخرى غير قواعد الحياة البهيمية؛ ولذلك هذه الأغراض التعقلية من اختصاص السنن الأدبية، أي هي موضوع هذا العلم. (6-3) سلطان الأغراض التعقلية
ولا يخفى عليك أن إدارة التعقل المخالفة لإدارة الغرائز البهيمية قطعت دائرة الشهوات والأهواء ووسعتها، حتى إذا عجزت الأغراض التعقلية عن ضبطها تهورت في الفساد، أما دائرة الغرائز والشهوات الحيوانية فبقيت في دائرتها الضيقة المرسومة لها؛ إذ لم تطرأ عليها قوة أخرى كالتعقل لكي تمر فيها ، ولهذا لا يعيش الحيوان عيشة فساد كما يعيش الإنسان.
ولأن للإنسان قوة الاختيار؛ أي الحرية في أن يختار أغراضه ويعينها، أصبح تحت خطر سوء الاختيار، فبدلا من أن يدفعه التعقل والحرية في سلم الرقي قد يهبطان به إلى أسفله، وبدلا من أن يرفعاه عن درجة الحيوان فقد يحطانه دون درجته، فلما أفقده تعقله النظام الطبيعي الجسداني أصبح إذا ضل به التعقل لا يستطيع أن يرتفع إلى النظام الروحاني، وبدلا من أن يكون سلوكه حيوانيا غير مسند للتعقل يصبح أحط من الحيواني، ومخالفا للمعقول.
Неизвестная страница