Наука литературной психологии: основы литературной философии
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Жанры
مثال ثالث أيضا: الحرية الشخصية والقومية، كحق أساسي من حقوق الإنسان، رغيبة تنشدها الأمم المتمدنة، والقوانين الدولية الخصوصية تؤيد هذا المبدأ الأدبي، ولكن القوانين الدولية العمومية تناقضه، وتجيز للأمة القوية أن تستبد بالأمم الضعيفة لتستعمرها. والفرد الأوروبي يؤيد حرية الإنسان كحق طبيعي في دائرة بلاده، ويعمل خلاف هذا المبدأ خارج بلاده.
كذلك الاحتفاظ بكنية الأسرة كمبدأ سام حرصا على سلامتها من مزيج أجنبي لا يضمن نقاوتها من المزج، والترقية في وظائف الحكومة حسب قانون الأقدمية لا يضمن دائما أن يترقى الأكثر أهلية إلى المنصب الأعلى، والدبلوم لا يدل دائما دلالة صادقة على الاستحقاق، كما أن الاستحقاق لا يضمن النجاح دائما.
وعملية التطور في كل أمة وشعب تقوم بالتوفيق بين هذه العناصر: المثل الأعلى والنظام والعادة، كلما تجدد عنصر منها جد تنافر بينها، ومتى كان هذا التطور جاريا على سنة التطور الارتقائي العامة كانت أدبية المجتمع صاعدة في سلم الرقي. وهذا ما يحدونا للبحث في سنة التطور الارتقائي من الوجهة الأدبية، وكيف يتمشى التطور الأدبي عليها. (1-4) ما هو التطور الارتقائي؟
لفظ التطور أو التحول من طور إلى طور، أو من شكل إلى شكل، لا يفيد معنى الارتقاء. التحول يحتمل أن يكون تسفلا لا ارتقاء، فلا بد إذن من وصف التطور بالارتقائي احترازا من التطور التسفلي. مع كل ذلك لا بد من تبيان ماهية الارتقاء وتحديده؛ لئلا يشكل علينا التمييز بين الارتقاء والانحطاط، ونخطئ في بعض الأحوال فنحسب المنحط راقيا؛ فقد نعد أجناس الطيور أرقى من الفئران مثلا، وما هي كذلك في سلم التطور الحيواني.
لذلك أشغل الفيلسوف سبنسر الجانب الأعظم من كتابه المبادئ الأولى، الذي هو كمقدمة لفلسفته، في تعريف التطور الارتقائي معتمدا بالأكثر في ذلك على الحقائق العلمية التي اكتشفها دارون. وقد استخرج من مباحثه الضافية تعريفا للتطور جعله كسنة طبق عليها التطور في العوالم المادية والحيوية والعقلية والاجتماعية والأدبية. ولا تزال أولياته التطورية إلى الآن ذات مقام في الفلسفة، ومستندا لكثير من الباحثين.
فالتطور الارتقائي حسبما حدده سبنسر هو تحول البسائط المنفصلة وغير المحدودة الأشكال إلى مركبات متصلة أو مؤتلفة محدودة الأشكال، وفي أثناء هذا التحول تتجمع المادة وتنطلق منها القوة. فالكون كله آيل من التشتت المضطرب إلى التكتل المنظم الهادئ.
وما تبسط فيه سبنسر في كتابه لشرح هذا التعريف لا يمكن أن يبسط في بعض هذا الفصل، وإنما لكي يفهم القارئ معنى تحول البسائط المنفصلة إلى مركبات مؤتلفة نلفت نظره إلى التطور الإجمالي الذي حدث في العالم الحيوي «البيولوجي»، ونرجو منه أن يقارن بين الدودة والهرة مثلا؛ فيجد أن الدودة قليلة الأعضاء، فما هي إلا أنبوبة تمر فيها المواد الترابية المائعة، وجدرانها الداخلية تمتص منها المادة المغذية، وهناك بعض أنابيب تحتوي على سوائل بسيطة لهضم الغذاء وتحويله إلى مادة الجسم.
ومع ذلك ليست أجزاء الدودة شديدة الارتباط بعضها ببعض؛ فإذا انقطعت الدودة نصفين استغنى كل نصف عن الآخر، وعاش لنفسه ونما دودة كاملة. وأما الهرة فتشتمل على أجهزة مختلفة الوظائف للهضم والامتصاص والتيار الدموي والتنفس والعصب إلخ، وكلها تعمل متوافقة مؤتلفة لغاية واحدة؛ وهي إحياء الجسم كله، ولكن إذا قطع منها جزء فلا يستطيع أن يعيش مستقلا عن الكل، وإذا كان جوهريا للكل فبقطعه يموت الكل.
والدودة والهرة ترقتا من أصل حيوي مكروبي واحد، كما أن سائر الحيوانات ترقت بعضها من بعض، والإنسان من جملتها؛ فحيث تجد الجسم أكثر أجهزة، والأجهزة أكثر تركبا تعلم أن الحيوان أرقى؛ ولهذا الاعتبار يعد الإنسان أرقى جميع الحيوانات؛ ولا سيما لفرق ظاهر بينه وبين أشباه الإنسان في الدماغ والجهاز العصبي.
كذلك نلفت نظر القارئ إلى العقل الإنساني والعقل الحيواني؛ فيجد أن الأول أكثر قوى من الثاني، وقواه أوسع مدى، ونلفت نظره أيضا إلى العالم الاجتماعي؛ فيجد أن الأمة المتمدنة أكثر أنظمة من القبيلة الهمجية، بل يجد أن الأمة الواحدة اليوم أرقى منها أمس، بتعدد أنظمتها وتشعبها وتفرعها، وتخصص فئاتها بها. فالاقتصاديات التي كانت متاجرة بسيطة، ومقتصرة على المقايضة والنقل بين المنتج والمستهلك، أصبحت تشتمل على عمولة ومتجر وصرافة وضمانة خسارة إلى غير ذلك من التشعبات. وكلما تشعبت الأنظمة وتعددت مشتبكة بعضها ببعض زادت المجتمع تكتلا، وزادت تكتله متانة.
Неизвестная страница