Наука литературной психологии: основы литературной философии
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Жанры
والعوامل الارتقائية التي لاشت روح الانتقام أو الأخذ بالثأر من معنى العقاب ومن العقل الاجتماعي، هي نفسها خففت كثيرا من غلواء روح الانتقام من نفسية الفرد، فكان أنه كلما صار الفرد يعتقد أن العقاب من حق سلطة المجتمع، وما هو انتقام، بل هو إشعار بقوة الشريعة وحسن النظام، كان يتسامح مع غريمه إذا كان ذنبه زهيدا ؛ لأنه يفهم أو يعتقد أن الذنب البسيط لا يعد جريمة ضد المجتمع، وليس كل مذنب يعد عدوا للمجتمع.
أضف إلى ذلك أن توثق الرابطة الاجتماعية، الذي هو من نتائج تفاعل العوامل الأدبية والاجتماعية جميعا في عملية التطور، يوطد في ذهنية الفرد أن من أركان نجاحه في مناهج الحياة مسالمته لأخيه الإنسان، وكسب وده وصداقته؛ ولذلك يتذرع إلى هذه الغاية بالتسامح معه، فإذا أذنب ذنبا بسيطا سامحه. (3-9) المسامحة
فمن ذلك ترى أن ارتقاء الأدبية وتدمث الأخلاق الإنسانية أفضيا إلى إضعاف روح الانتقام في الأفراد، واستقواء روح المسامحة، وإذا شاعت هذه الروح وعمت السواد الأعظم من الناس ظهرت في سلطة المجتمع نفسه، وفي الشريعة أيضا. فمع أن النظام الاجتماعي متصلب، قليل الانفعال والعاطفة، بحيث لا تصح نسبة الانتقام والمسامحة له، فلا بد أن يتأثر من الروح التي تعم الأفراد، ويتخلق بأخلاقهم على قدر ما تلين صلابة طبعه.
ولذلك لما كانت روح الانتقام في عهد الهمجية شديدة، كانت شريعة العقاب عنيفة، ولما ضعفت هذه الروح وجعلت روح المسامحة تحل محلها، صارت الشريعة أقل صلابة وعنفا من قبل. فالشريعة الآن تجيز الصلح بين المتخاصمين في الأحوال التي لا يعد ذنب المذنب فيها تجاه المجتمع كبيرا.
وكذلك فسحت الشريعة المجال بين حدود العقوبات، وخولت للقاضي أن يعتمد على وجدانه وضميره في تعيين قدر العقوبة، وأن يميل للرأفة أكثر منه إلى العدل، ثم سوغت الشريعة للقضاء أن يساعد المجرم في إثبات براءته. فكل هذه من مظاهر تسامح سلطة المجتمع وانبثاث روح المسامحة في الشريعة نفسها، تأثرا من روح المسامحة التي نشطها ارتقاء الأدبية الاجتماعية كما تقدم التنويه. (3-10) التوبة
إذا كان الخوف من ألم العقاب رادعا عن الإجرام، فازدراء الجريمة واحترام الشريعة أردع عنه؛ لأن الخوف من العقاب لا يصاحب كل جريمة، فقد يؤمل المجرم أن يرتكب جريمته سرا، أو أن يفلت بأي وسيلة من يد القضاء؛ ولذلك قد لا يقوم الرادع في وجهه، ولكن الاعتقاد بأن الجريمة أمر خسيس مكروه، وأن الشريعة قوة مقدسة، حاضر في الذهن دائما؛ فهو رادع دائم، والضمير حارس له.
وإذا كانت الجماعة قد بلغت هذه الدرجة من النظر إلى الجريمة كشيء خسيس دنيء، وإلى الشريعة كشيء مقدس يجب أن يحترم، وإذا كانت ضمائر أفرادها قد بلغت إلى هذا الحد من الحرص على احتقار الجرائم وتقديس الشرائع، إذا بلغت الجماعة إلى هذه الدرجة من الرقي الأدبي تقل الحاجة إلى العقاب؛ لأن المسامحة تصبح أفعل منه في الردع، أولا: لأن عنف العقاب في النفوس الراقية الأدبية يتمثل كانتقام فيثير الحقد والحنق من مكمنهما، وثانيا: لأن المسامحة التي هي كمكافأة لتبكيت الضمير الذي قام مقام العقاب تزين التوبة للمذنب كطريق جميل إلى دار الفضيلة.
فإذا بلغت الجماعة إلى هذه الدرجة من الرقي الأدبي، بحيث تصبح المسامحة أو العفو أفعل من العقاب في الردع عن الإجرام؛ كانت صاعدة في سلم الرقي الأدبي باطراد، وكان الإجرام يقل من نفسه كلما حلت المسامحة محل العقاب. حينئذ تكون الهيئة الاجتماعية أقرب مسافة إلى المثل الأعلى. (3-11) قدر المسئولية والمعذورية
بقي أمر جوهري من خصائص العقاب لا يمكن إغفاله من هذا الفصل، وهو: هل يكون المرء دائما مسئولا عن سلوكه أو عمله، أم أنه يكون في بعض الأحوال معذورا؟ فما هو الحد الفاصل بين مسئوليته ومعذوريته؟ ومتى يجب أن يقوم العفو مقام العقاب؟
قد علمت فيما سبق أن السلوك هو فعل مراد بتعقل، وفي الإرادة والتعقل معنى الحرية، وحيث يكون الإنسان حرا يكون مسئولا ولا عذر له. فإذن متى تجرد الفعل من الإرادة والتعقل، أو من التعقل وحده؛ ضعفت المسئولية عنه إلى أن تكاد تتلاشى. (1)
Неизвестная страница