وقال الربيع بن خُثَيْم: «إنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ضَوْءٌ كضوء النهار تعرفُهُ، وإنَّ مِنَ الحديثِ حديثًا له ظُلمةٌ كظُلْمة الليلِ تُنْكِرُهُ» (١) .
وقال الشافعي (٢): «ولا يُستدلُّ على أكثرِ صِدْقِ الحديثِ وكَذِبِهِ إلا بصدقِ المُخْبِرِ وكذبه، إلا في الخاصِّ القليلِ من الحديث» .
وأوضَحَ البيهقيُّ عبارةَ الشافعيِّ هذه بقوله (٣): «وهذا الذي استثناه الشافعيُّ لا يقف عليه إلا الحُذَّاقُ مِنْ أهل الحِفْظ؛ فقد يَزِلُّ الصدوقُ فيما يكتبُهُ، فيَدْخُلُ له حديثٌ في حديث، فيصيرُ حديثٌ رُوِيَ بإسناد ضعيفٍ مُرَكَّبًا على إسنادٍ صحيحٍ. وقد يَزِلُّ القَلَمُ، ويُخْطئ السمع، ويَخُونُ الحِفْظ؛ فيروي الشاذَّ من الحديث عن غير قَصْدٍ، فَيَعْرِفُهُ أهلُ الصَّنْعة الذين قيَّضَهُمُ اللهُ تعالى لحفظِ سُنَنِ رسولِ الله (ص) على عباده؛ بِكَثْرة سماعه، وطُولِ مُجالستِهِ أهلَ العِلْمِ به ومُذاكَرتِهِ إيَّاهم» . اهـ.
ولذا كان أهلُ الحديث لا يُسلِّمون بكل ما يُرْوَى وإنْ كان صحيحَ السَّنَدِ، حتى يَعْرِضوه على أهل الاختصاص:
قال الأعمش: «كان إبراهيمُ (٤) صَيْرَفِيَّ الحديث، فكنتُ إذا
_________
(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٦/١٨٦)، وهناد في "الزهد" (٥١٣)، ويعقوب ابن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (٢/٣٢٧)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص٣١٦)، والحاكم في "المعرفة" (ص٦٢)، والهروي في "ذم الكلام" (٥/٤٥)، ومن طريق يعقوب بن سفيان أخرجه الخطيب في "الكفاية" (ص٤٣١) .
(٢) في "الرسالة" (ص٣٩٩) .
(٣) في "دلائل النبوة" (١/٣٠) .
(٤) يعني: إبراهيم بن يزيد النخعي.
1 / 21