قال يصف حاكي الصدى:
مثال القوة الناطقة، من غير إرادة سابقة، يقتطف الألفاظ اقتطافا، ويختطف الصوت اختطافا، مطبعة الأصوات، ومرآة الكلمات، ينقل الكلام من ناحية إلى ناحية، نقل كلام عمر - رضي الله عنه - إلى سارية، أشد من الصدى في فعله، في إعادة الصوت على أصله، كأنه الحرف عن يد الطابع، والوتر عن يد الضارب، والقصب عن فم القاصب، يحفظ الكلام ولا يبيده، ومتى استعدته منه يعيده من غير أن يبقي لفظا في صدره، أو يكتم شيئا من أمره، كأنما حفظ الوديعة، في نفس طبيعة، فلو تقدم له الوجود في مرتبة الزمن لما احتجنا في الأخبار إلى عنعنة، ولا في الدعاوى إلى بينة، بل كان يسمعنا كلام السيد المسيح في المهد، وصوت عازر من اللحد، وكانت استودعته الفلاسفة حكمتهم، وأنشدوه كلمتهم، فرأينا به غرائب اليونان وبدائع الرومان، وربما سمعنا خطب سحبان، وشعر سيدنا حسان؛ بذلك اللسان، وأصبح وجود الإنسان غير محدود بزمن من الأزمان، لله دره من تلميذ يستوعب ما عند المعلم ويستخلصه في لحظة، معيدا لقوله، ناقلا صوته ولفظه.
لقد وجدت مكان القول ذا سعة
فإن وجدت لسانا قائلا فقل
نديم ليس فيه هفوة النديم ، وسمير لا ينسب إليه تقصير، تسكته وتستعيده، وتذمه وتستجيده، وتنقصه وتستزيده، وهو في كل هذه الأحوال راض بما يقال، لا يكل من تحديث، ولا يمل من حديث، نمام كما ينم لك ينم عليك، وينقل لغيرك كما ينقل إليك، فهو المصور لكل فن، المتكلم بكل لغة، المحدث عن كل إنسان، المؤرخ لكل زمان، الشاعر الناثر، المغني العازف؛ لا تعجزه العبارة، ولا يجهده الأداء، ولا يضره اختلاف شكل ولا تباين أصل، بل تعدت شدة حفظه البشرية من اللغات إلى حفظ أصوات العجماوات، إلى حركة اصطكاك الجمادات.
فيا لله من أيهما نعجب! ولأيهما نطرب! أمن حاكى الصدى وقد نقل صوتنا كما نطقنا؟ أم من شقيقه المصور الشمسي إذ ينقل صورتنا كما خلقنا فنرى من في أقصى أقطار الأرض وكلانا عن مكانه لم يتحول؟! ويسمعنا حديثه المعنعن ونسمعه حديثنا المسلسل.
وله من رسالة يصف نظاره ويشكر من أهداها:
ورد الكتاب المطرز بحلي الكرم، المحلى بجميل النعم، واستلمت الهدية؛ فسلمت يد أهدتها، وحفظت السجايا التي لمحاسن الأعمال هدتها، ودامت رحاب لمثل هذه الحسنات فيها مجال، وللمحسنات بهاء وجمال، وللآمال محط ورحال، وللمقاصد كعبة إقبال، وطابت نفس تعالى الله أن تماثلها نفس عصام؛
2
فإنها نسخت آية الكرم والإقدام
Неизвестная страница