أَحْقَاد تِلْكَ اَلْعَدَاوَة اللونية اَلَّتِي لَا يَزَال يُضْمِرهَا هَؤُلَاءِ اَلْقَوْم لِكُلّ شَيْء أَبْيَض حَتَّى لِلشَّمْسِ اَلْمُشْرِقَة وَالْكَوَاكِب اَلزَّاهِرَة فَدَارُوا بِهِ دَوْرَة سَقَطَ مِنْ بَعْدهَا أَسِيرًا فِي أَيْدِيهمْ بِالْإِغْوَاءِ حَتَّى وَصَلُوا بِهِ إِلَى دِيَارهمْ فاحتبسوه هُنَاكَ فِي نَفَق تَحْت اَلْأَرْض كَانُوا يُسَمُّونَهُ سِجْن اَلِانْتِقَام.
هُنَالِكَ عَلَم ان تِلْكَ اَلْبَارِقَة اَلَّتِي لَاحَتْ لَهُ فِي سَمَاء اَلسَّعَادَة مِنْ اَلْأَمَل يَوْم اَلْمَعْرَض إِنَّمَا هِيَ خُدْعَة مِنْ خُدَع اَلدَّهْر وَأُكْذُوبَة مِنْ أَكَاذِيبه وَأَنَّ مَا كَانَ يُقَدِّرهُ لِنَفْسِهِ مِنْ سَعَادَة وَهَنَاء فِي مُسْتَقْبَل أَيَّامه قَدْ ذَهَبَ بِذَهَاب أَمْس اَلدَّابِر وَأَصْبَحَ صَحِيفَة بَالِيَة فِي كِتَاب اَلدَّهْر اَلْغَابِر.
وَلَقَدْ كَانَ فِي اِسْتِطَاعَة أَنْ يُخْلِد لِلنَّازِلَةِ اَلَّتِي نَزَلَتْ بِهِ وَيَسْتَمْسِك لَهَا لَوْ أَنَّهُ اِسْتَقَلَّ بِحَمْلِهَا وَلَكِنَّ اَلَّذِي آذَاهُ وَأَثْقَله أَنْ هُنَاكَ إِنْسَانًا آخَر كَرِيمًا عَلَيْهِ يُقَاسِمهُ إِيَّاهَا فَقَدْ أَصْبَحَ يَحْمِل مُصِيبَته وَمُصِيبَة أُمّه فِيهِ عَلَى عَاتِق وَاحِد.
نَزَلُوا بِهِ إِلَى اَلْمَحْبِس وَقَادُوهُ إِلَى سِلْسِلَة غَلِيظَة اَلْحَلَقَات فَسَلَكُوهُ فِيهَا ثُمَّ أَغْلَقُوا اَلْبَاب مُنْذُ ونه وَتَرَكُوهُ وَشَأْنه فَمَا اِنْفَرَدَ بِنَفْسِهِ حَتَّى فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَمَامه شَيْئًا فَلَمْ يَعْلَم هَلْ كَفَّ بَصَره أَمْ اِشْتَدَّتْ اَلظُّلْمَة أَمَام عَيْنَيْهِ فَحَجَبَتْ عَنْ نَاظِره كُلّ شَيْء حَتَّى نَفْسهَا فَلَمْ يَزَلْ فِي حَيْرَته حَتَّى اِنْقَضَى اَللَّيْل فَانْحَدَرَ إِلَيْهِ مِنْ ثُقْب صَغِير فِي حَائِط اَلْمَحْبِس خَيْط أَبْيَض دَقِيق مِنْ شُعَاع اَلشَّمْس حَتَّى اِسْتَقَرَّ بَيْن يَدَيْهِ فَأُنْس بِهِ أَنَس اَلْغَرِيب وَشُكْر لِلشَّمْسِ رَسُولهَا اَلَّذِي أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ لِيُؤْنِسهُ فِي وَحْدَته وَاسْتَمَرَّ بَصَره عَالِقًا
1 / 25