Чарльз Дарвин: его жизнь и письма (Часть первая): с автобиографическим разделом от Чарльза Дарвина
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Жанры
والآن، وبعد أن ذكرت كل هذا القدر عن أسلوبي في الكتابة، سوف أضيف أنني في الكتب الكبيرة، أقضي وقتا طويلا في إعداد الترتيب العام للمحتوى؛ فأبدأ بإعداد تخطيط عام ومبدئي للمحتوى في صفحتين أو ثلاث، ثم أتبعه بآخر أطول منه يتكون من عدة صفحات، مستخدما كلمة واحدة أو بضع كلمات للإشارة إلى موضوع بأكمله أو مجموعة من الحقائق. ثم أستطرد بعض الشيء في الكتابة عن كل من هذه العناوين، التي غالبا ما يتغير موقعها قبل أن أبدأ بالكتابة بتفصيل وإسهاب. وكما هي الحال في العديد من كتبي، فإنني أستخدم الحقائق التي توصل إليها الآخرون عن طريق الملاحظة استخداما مكثفا؛ ونظرا لأنني أعمل دائما على عدد من الموضوعات المختلفة في الوقت نفسه، فإنني أحتفظ بعدد كبير من حافظات الأوراق يتراوح عددها بين الثلاثين والأربعين، وأضعها في خزائن ذات رفوف، وعلى كل منها عنوان موضوع محدد، وبهذا، أتمكن من أن أضع فيها مذكرة أو مرجعا منفصلا. إنني أبتاع الكثير من الكتب، وفي نهاية كل منها، أصنع فهرسا بالحقائق التي ترتبط بعملي، أو، إذا لم يكن الكتاب أحد كتبي، أكتب ملخصا مستقلا له، وأضع هذه الملخصات في درج كبير. وقبل البدء في أي موضوع، ألقي نظرة على جميع الفهارس القصيرة وأصنع منها فهرسا عاما ومرتبا، وحين أختار ما أريده من حافظات الأوراق، سواء أكانت واحدة أم اثنتين، تصبح لدي جميع المعلومات التي جمعتها في حياتي جاهزة للاستخدام.
لقد ذكرت أن عقليتي قد تغيرت على مدى العشرين أو الثلاثين عاما الأخيرة في جانب واحد؛ فحتى سن الثلاثين أو بعدها، كنت أستمتع بشدة بالعديد من أنواع الشعر؛ مثل أعمال ميلتون وجراي وبايرون ووردزوورث وكولريدج وشيلي، وحتى حين كنت صبيا في المدرسة، كنت أستمتع بشدة بأعمال شكسبير، لا سيما مسرحياته التاريخية. وقد ذكرت أيضا أن اللوحات كانت تبهجني بعض الشيء فيما سبق، وكانت الموسيقى تمنحني متعة عظيمة. أما الآن، وعلى مدى سنوات عديدة فأنا لا أتحمل أن أقرأ بيتا واحدا من الشعر؛ فقد حاولت مؤخرا أن أقرأ لشكسبير، لكنني وجدته مملا بنحو لا يحتمل حتى إنني قد شعرت بالغثيان. وقد فقدت اهتمامي باللوحات والموسيقى تقريبا. وقد أصبحت الموسيقى تنشط ذهني وتحفزني على التفكير في الموضوع الذي أعمل عليه، ولم تعد تبهجني كما في السابق. ما زلت أجد بعض الاستمتاع في مشاهدة المناظر الجميلة، لكنها لم تعد تمنحني ذلك السرور البديع التي كانت تمنحني إياه من قبل. وعلى العكس من ذلك ، فإن الروايات، والتي هي أعمال من نسج الخيال، رغم أنها ليست على قدر عال من الأهمية، ظلت لسنوات تمنحني سرورا وراحة رائعة، وأنا غالبا ما أكن التقدير لجميع الروائيين. وقد قرئ على مسامعي عدد هائل من الروايات، وأنا أحب جميع الروايات، ما دامت على قدر معقول من الجودة، ولا تنتهي بنهاية تعيسة - وهو أمر يجب أن يمنعه القانون. وبالنسبة لي، فإن الرواية لا ترقى إلى المرتبة الأولى إلا أن تكون بها شخصية يمكن أن نكن لها حبا عميقا، وحبذا لو كانت امرأة جميلة.
إن هذه الحالة العجيبة والمؤسفة من فقدان القدرة على تذوق الفنون الراقية لهي أمر غريب للغاية؛ إذ إن كتب التاريخ والسير الذاتية وكتب الرحلات (بغض النظر عن أي حقائق علمية قد تحتوي عليها)، وكذلك المقالات في جميع الموضوعات، ما تزال تثير اهتمامي بالقدر نفسه كما كانت دائما. ويبدو أن عقلي قد أصبح ضربا من الآلات المعدة لاستخلاص القوانين العامة من بين مجموعات ضخمة من الحقائق، غير أنني لا أستطيع أن أفهم السبب في أن ذلك قد تسبب في ضمور ذلك الجزء وحده من العقل، الذي يتوقف عليه تذوق هذه الفنون الراقية. وأعتقد أن أي شخص يتمتع بعقل أعلى تنظيما من عقلي، أو أفضل تكوينا، لن يعاني مما أعانيه، وإن كان لي أن أعيش حياتي مرة أخرى، لوضعت قاعدة في حياتي تتضمن قراءة بعض الشعر والاستماع إلى بعض الموسيقى مرة في الأسبوع على الأقل؛ فلربما كان ذلك الجزء الذي ضمر من عقلي الآن، سيظل نشطا إن تعرض للاستخدام المستمر. إن فقدان القدرة على تذوق هذه الفنون، لهو فقدان للسعادة، وربما يضر بالقدرات الذهنية، والأرجح أنه مضر للجانب الأخلاقي؛ إذ يضعف الجانب العاطفي من طبيعتنا.
لقد حققت كتبي مبيعات كبيرة في إنجلترا، وترجمت إلى العديد من اللغات، وكذلك صدرت منها عدة طبعات في الدول الأجنبية. وقد سمعت أن نجاح أي عمل في بلد أجنبي هو الاختبار الأفضل لقيمته الدائمة، وأنا لا أثق فيما إن كان هذا القول جديرا بالثقة تماما ، لكن بالقياس على هذا المعيار، فإن اسمي سيبقى مترددا لبضع سنين؛ لذا، ربما يكون من المفيد هنا محاولة تحليل القدرات الذهنية والظروف التي توقف عليها نجاحي، بالرغم من أنني أدرك أن أحدا لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة بنحو صحيح.
إنني لا أتمتع بسرعة الفهم أو البديهة التي يتميز بها غيري من الرجال البارعين، ومنهم هكسلي على سبيل المثال؛ ولهذا فأنا ناقد سيئ؛ فحين أقرأ كتابا أو ورقة بحثية للمرة الأولى، فإنها تثير إعجابي بوجه عام، ولا أدرك مواطن ضعفها إلا بعد فترة ليست بالهينة من التأمل والتفكر. وأما قدرتي على متابعة سلسلة طويلة وخالصة التجريد من الأفكار، فهي محدودة للغاية؛ ولهذا السبب، لم أكن لأحقق أي نجاح في مجال الميتافيزيقيا أو الرياضيات. إنني أتمتع بذاكرة هائلة، لكنها مشوشة؛ فهي تكفي لأن تجعلني حريصا؛ إذ تشير إلي على نحو غامض بأنني قد لاحظت أو قرأت شيئا يتعارض مع النتيجة التي يقودني تفكيري إليها، أو يؤيدها، وبعد فترة من الوقت، أستطيع أن أتذكر بوجه عام المصدر الذي يجب أن أبحث فيه عما أرجع إليه. والحق أن ذاكرتي ضعيفة جدا في أحد الجوانب، وهو أنني لم أستطع قط أن أتذكر تاريخا واحدا أو بيتا من الشعر لما يزيد على بضعة أيام.
لقد قال عني بعض النقاد: «حسنا، إنه يتمتع بقدرة جيدة على الملاحظة، لكنه يفتقر إلى القدرة على التسويغ المنطقي!» وأنا لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يكون صحيحا؛ إذ إن كتاب «أصل الأنواع» هو نقاش جدلي طويل من أوله إلى آخره، وقد أقنع عددا ليس بالقليل من الرجال البارعين، ولم يكن لأحد أن يكتبه دون أن يمتلك القدرة على التسويغ المنطقي. وأنا أتمتع بحظ جيد من الابتكار، وكذلك من حسن الإدراك والتقدير، بالدرجة التي يتمتع بها أي محام أو طبيب بارع بعض الشيء، لا أكثر، في رأيي.
وأما عن الجانب المميز في، فأنا أعتقد أنني أتفوق على الغالبية العظمى من الناس في الالتفات إلى الأمور التي يسهل أن تفلت من الانتباه ، وملاحظتها بعناية. ولقد ثابرت بأقصى ما أستطيع على الملاحظة وجمع الحقائق. والأهم من ذلك، أن حبي للعلوم الطبيعية ظل متقدا وثابتا.
بالرغم من ذلك، فإن ما ساعد كثيرا هذا الحب الخالص هو طموحي إلى أن أحظى بتقدير زملائي من علماء التاريخ الطبيعي. ومنذ بداية شبابي، تملكتني رغبة شديدة في فهم أي شيء ألاحظه أو تفسيره؛ أي تجميع الحقائق كلها تحت قوانين عامة. وهذه الأسباب مجتمعة قد أمدتني بالقدرة على الصبر للتأمل والتفكر في أي مسألة غير مفهومة، مهما طالت المدة لأي عدد من السنوات. وأعتقد أنني لست قادرا على الاتباع الأعمى لآراء غيري من الأشخاص. وكنت أسعى دوما إلى الحفاظ على عقلي حرا لكي أكون قادرا على التخلي عن أي فرضية مهما بلغ حبي لها (وأنا لا أستطيع أن أقاوم تكوين فرضية جديدة عن كل موضوع)، فور أن تتضح أي حقائق تعارضها. والواقع أنه لم يكن لدي خيار للتصرف بما هو دون ذلك، وباستثناء موضوع الشعاب المرجانية، فأنا لا أتذكر فرضية واحدة لم تتغير بعد ذلك أو تعدل بدرجة كبيرة. وقد دفعني ذلك تلقائيا إلى عدم الثقة على نحو كبير في التفكير الاستنباطي في العلوم المختلطة. وعلى الجانب الآخر، فإنني لست متشككا بشدة، وأنا أعتقد أن هذا الإطار الذهني يضر بتقدم العلوم. فمن المحبذ لرجل العلم أن يتحلى بقدر معقول من التشكك وذلك لتجنب إهدار الكثير من الوقت، غير أنني قابلت عددا ليس بالقليل من الرجال أعرف يقينا أنهم كثيرا ما أحجموا عن الملاحظة أو إجراء التجارب، التي كانت ستثبت فائدتها، سواء بنحو مباشر أو غير مباشر.
وللتوضيح، سوف أعرض أغرب حالة عرفتها. كان أحد الرجال الأفاضل (وهو الذي قد سمعت بعد ذلك أنه عالم نبات محلي جيد) قد كتب إلي من المقاطعات الشرقية يخبرني أن بذور أو حبوب الفاصوليا الخضراء قد نبتت هذا العام في كل مكان على الجانب المخالف للمألوف من القرن. وقد كتبت له ردا على خطابه أطلب منه المزيد من المعلومات؛ إذ لم أكن أفهم ما يعنيه، غير أنني لم أتلق منه ردا إلا بعد فترة طويلة للغاية. ثم قرأت بعد ذلك في جريدتين، كانت تنشر إحداهما في كنت والأخرى في يوركشاير، بعض الأخبار التي تذكر أنها لحقيقة جديرة بالملاحظة أن «حبوب الفاصوليا في هذا العام قد نمت على الجانب المخالف للمألوف.» لذا، فقد ظننت أنه لا بد أن هناك أساسا لمثل هذا الادعاء العام؛ وبناء على هذا، فقد ذهبت إلى البستاني الذي يعمل لدي، وهو رجل عجوز من كنت، وسألته عما إذا قد سمع بأي شيء عن ذلك؛ فأجابني: «أوه، كلا يا سيدي، لا بد أن هناك خطأ ما؛ فالفاصوليا لا تنمو على الجانب المخالف للمألوف إلا في السنة الكبيسة، ولسنا في سنة كبيسة.» وقد سألته بعد ذلك عن الشكل الذي تنمو عليه في السنوات الكبيسة، لكنني اكتشفت أنه لا يعرف شيئا عن كيفية نموها في أي وقت، وإنما كان متمسكا باعتقاده فحسب.
وبعد فترة من الوقت، أرسل إلي الشخص الذي كان قد أخبرني بالأمر في البداية الكثير من الاعتذارات قائلا إنه لم يكن ليرسل إلي، لو أنه لم يسمع ذلك من العديد من المزارعين البارعين، لكنه قد تحدث إليهم بعد ذلك، ولم يفهم أي منهم على الإطلاق ما كان يعنيه بكلامه. وهكذا، فقد أصبح لدينا اعتقاد - هذا إذا كان من الممكن أن نطلق على أي ادعاء لا يتضمن أي فكرة محددة اسم اعتقاد - قد انتشر في معظم أنحاء إنجلترا دون أي دليل على الإطلاق.
Неизвестная страница