Чарльз Дарвин: его жизнь и письма (Часть первая): с автобиографическим разделом от Чарльза Дарвина
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Жанры
وبفضل قدرات والدي في اكتساب ثقة الناس، فقد كان العديد من المرضى - ولا سيما النساء - يستشيرونه فيما يهمهم من أي ألم أو ضيق، في شكل هو أقرب إلى الاعتراف الذي يسرون به للقس في الكنيسة. لقد أخبرني بأنهم غالبا ما كانوا يبدءون بالشكوى من صحتهم بصورة عامة ومبهمة، لكنه سرعان ما كان يبدأ في تخمين حقيقة الأمر من خلال الخبرة التي اكتسبها في هذا المجال. فكان يخبرهم بأن العلة في عقولهم؛ ومن ثم يخبرونه بمشكلاتهم، ولا يعود يسمع أي شكوى عن الجسد ... وبفضل مهارة والدي في الفوز بثقة الناس، استمع إلى اعترافات غريبة عن التعاسة والذنب. لقد كان يشير كثيرا إلى هذا العدد الكبير من الزوجات التعيسات اللائي عرفهن. في حالات عديدة، كان الأزواج وزوجاتهم يعيشون في جو من التفاهم لمدة عشرين أو ثلاثين عاما، ثم تدب بينهم الكراهية المريرة؛ وهو ما كان يعزوه إلى تلك الرابطة المشتركة التي يفقدها الزوج وزوجته عندما يكبر أطفالهما.
لكن الملكة الأبرز التي كان يمتلكها والدي هي قراءة شخصيات الناس، حتى إنه كان يقرأ أفكار من يلتقي بهم ولو لفترة قصيرة. وقد شهدنا العديد من الأمثلة على هذه الملكة، حتى إن بعضها كان يبدو خارقا للطبيعة. وقد حفظ ذلك والدي من صداقة من لا يستحقون صداقته (فيما عدا رجلا واحدا، كان هو الاستثناء الوحيد وهو الذي سرعان ما اتضحت حقيقته). لقد كان كاهنا غريبا أتى إلى شروزبيري وقد بدا عليه أنه رجل ثري، فراح الجميع يزورونه ودعاه معظم الناس إلى بيوتهم. وكذلك زاره أبي، وعندما رحل أبي عائدا إلى منزله، طلب من أخواتي ألا يدعون هذا الشخص ولا أي فرد من أسرته إلى منزلنا؛ إذ إنه غير جدير بالثقة. وبعد بضعة أشهر، هرب فجأة وهو غارق في الديون، ثم اتضح أنه محتال محترف. ولدينا أيضا مثال آخر عن الثقة التي لم يكن ليغامر بمنحها إلا قلة من الرجال؛ فهناك رجل أيرلندي زار والدي في أحد الأيام، وهو غريب عن البلد تماما، وأخبره بأن محفظته قد ضاعت، وأنه سيتضرر كثيرا إن انتظر في شروزبيري حتى تأتيه حوالة من أيرلندا. وقد طلب من والدي أن يقرضه عشرين جنيها، وهو ما حدث على الفور؛ إذ شعر والدي بأن القصة حقيقية. وفي أول موعد لوصول الخطابات من أيرلندا، ورد خطاب به تعبير عن وافر الشكر، وإشارة إلى تضمنه ورقة نقدية بقيمة عشرين جنيها إسترلينيا، غير أنه لم يكن به أي ورقة نقدية. سألت والدي عما إذا كان ذلك قد أدهشه، لكنه أجابني «كلا، على الإطلاق.» وفي اليوم التالي، ورد خطاب آخر يعتذر الرجل فيها كثيرا؛ إذ نسي (كما هي عادة الرجال الأيرلنديين) أن يضع الورقة النقدية في خطاب اليوم السابق ... [أحد الرجال الأفاضل] أحضر ابن أخيه إلى والدي، وقد كان هذا الفتى لطيفا لكن به علة في عقله قد جعلته يتهم نفسه بارتكاب جميع الجرائم المعروفة. وعندما ناقش والدي بعد فترة أمر الفتى مع عمه، قال له: «إنني متأكد من أن ابن أخيك قد ارتكب ... جريمة شنيعة.» وعندئذ قال [الرجل الفاضل]: «يا إلهي! من أخبرك يا دكتور داروين؟ لقد ظننا أنه لا أحد يعرف بالأمر غيرنا!» لقد أخبرني والدي بهذه القصة بعد عدة سنوات من حدوثها، وقد سألته كيف استطاع أن يميز بين الاتهامات الزائفة التي كان يوجهها الفتى إلى نفسه وبين الاتهامات الحقيقية؛ فما كان منه إلا أن يخبرني، كعادته، بأنه لا يستطيع أن يشرح الأمر.
وستوضح القصة التالية قدرة والدي الجيدة على التخمين. كان اللورد شيلبيرن، والذي أصبح فيما بعد الماركيز الأول في لانزداون، مشهورا (كما يذكر ماكولي في موضع ما) بمعرفته بشئون أوروبا، وهو أمر كان يعتز به كثيرا. وكان قد استشار والدي في مسألة طبية، ثم راح يخاطبه بلهجة حادة عن شئون هولندا. وكان والدي قد درس الطب في لايدن، وفي أحد الأيام [بينما كان هناك] قام بجولة طويلة في الريف مع صديق اصطحبه إلى بيت كاهن هناك (وسندعوه هنا بالمبجل السيد أ... إذ إنني قد نسيت اسمه)، وكان هذا الكاهن متزوجا من امرأة إنجليزية. كان والدي جائعا جدا، ولم يكن لديهم على الغداء سوى الجبن، ولم يكن والدي يتناوله أبدا. كانت السيدة العجوز مندهشة وحزينة لذلك، وظلت تؤكد لوالدي أنه جبن ممتاز قد أرسل إليهما من بوود، وهي مقر اللورد شيلبيرن. لقد تعجب والدي من إرسال هذا الجبن من بوود، لكنه لم يفكر في الأمر أكثر من ذلك إلى أن لاح مرة أخرى في ذهنه بعد ذلك بسنوات عديدة، بينما كان اللورد شيلبيرن يتحدث عن هولندا. فأجابه: «لا بد أن الموقر السيد أ... كان رجلا مهما للغاية وعلى دراية جيدة بأمور هولندا.» استطاع والدي أن يدرك أن الإيرل، والذي قد غير موضوع المحادثة فورا، قد بهت واندهش للغاية. وفي الصباح التالي، تلقى والدي خطابا من الإيرل يقول فيه إنه قد أجل موعد البدء في رحلته؛ إذ إنه يرغب في رؤية والدي. وحين أتى، تحدث الإيرل إلى والدي قائلا: «دكتور داروين، إنه لأمر في غاية الأهمية لي وللموقر السيد أ... أن نعرف كيف اكتشفت أنه مصدر معلوماتي عن هولندا.» ومن ثم، فقد اضطر والدي أن يشرح ما حدث فجعله يتوصل إلى هذه النتيجة، وقد رأى أن اللورد شيلبيرن كان معجبا للغاية بقدرة والدي الكبيرة على التخمين؛ إذ على مدى سنوات عديدة بعدها، ظل يتلقى منه العديد من الخطابات اللطيفة عن طريق عدد من الأصدقاء. وأعتقد أنه ولا بد قد حكى هذه القصة إلى أولاده؛ إذ سألني السير سي لايل قبل عدة أعوام عن سبب ما عبر عنه ماركيز لانزداون (وهو ابن أو حفيد الماركيز الأول) من اهتمام كبير بي وبعائلتي، وهو الذي لم يرني من قبل. وحين أضيف إلى نادي الأثنيام أربعون من الأعضاء الجدد (وقد كانوا يدعون حين ذاك باسم الأربعين لصا)، كان هناك الكثير من النقاش بشأن انضمامي معهم، وبدون أن أطلب ذلك من أحد، قدمني اللورد لانزداون وأصبحت عضوا منتخبا. وإذا كنت محقا في افتراضي، فقد كانت تلك سلسلة غريبة من الأحداث أن يكون عدم تناول والدي للجبن قبل نصف قرن في هولندا، قد أدى إلى أن أصبح عضوا منتخبا في نادي الأثنيام.
إن حدة ملاحظته قد جعلته قادرا على أن يتنبأ بالمسار الذي سيتخذه أي مرض بمهارة فائقة، وكان يقدم عددا لا نهائيا من التفاصيل التي تؤدي إلى شعور المرضى بالارتياح. لقد سمعت عن طبيب شاب في شروزبيري كان يكره والدي وهو الذي كان يزعم أنه لم يكن علميا على الإطلاق، غير أنه كان يتمتع بالقدرة على التنبؤ بنهاية أي مرض بدقة لا مثيل لها. وحين كان أبي يرى في السابق أن علي أن أصبح طبيبا، كان يحدثني كثيرا عن مرضاه. وقد كانت ممارسة الفصد منتشرة في الماضي على نحو كبير، غير أن والدي كان يرى أنها تضر أكثر مما تفيد، حتى إنه كان ينصحني بألا أدع أي طبيب يستخرج مني سوى كمية ضئيلة جدا من الدم، إن مرضت في أحد الأيام. وقبل أن يجرى تمييز حمى التيفود عن غيرها بوقت طويل، أخبرني والدي بأن مصطلح حمى التيفود يطلق على نحو خاطئ على نوعين مختلفين تماما من الحمى. وقد كان يعارض تناول الكحوليات معارضة قاطعة، وكان مقتنعا بأن تناولها بانتظام، حتى إن كان بكميات معقولة، يتسبب في أضرار شديدة، بعضها يحدث مباشرة والبعض الآخر ينتقل بالوراثة، وذلك في الغالبية العظمى من الحالات. غير أنه قد أقر بأن بعض الأشخاص قد يتناولون كميات كبيرة من الكحوليات طوال حياتهم دون أن تظهر عليهم أي أضرار يعانون منها، وقدم بعض الأمثلة على ذلك، وقد كان يرى أنه يستطيع أن يعرف هؤلاء الذين لن يعانوا من هذه الأضرار مقدما. وأما عنه، فهو لم يتناول ولا قطرة واحدة من أي شراب كحولي. وتذكرني هذه الملاحظة بحالة توضح كيف يمكن أن يكون أحد الشهود مخطئا تماما، حتى إن كانت الظروف مواتية؛ فقد حث والدي أحد الرجال الأفاضل من المزارعين على ألا يتناول الكحوليات، وقد شجعه على ذلك بأن أخبره بأنه هو نفسه لم يمس قط أي شراب روحي؛ وعندئذ قال هذا الرجل لوالدي: «حنانيك أيها الطبيب! إنني لا أصدق هذا، غير أنه لطف منك أن تخبرني بذلك حرصا على صحتي، لكنني أعرف أنك تتناول كأسا كبيرة للغاية تتضمن مزيجا من الماء الساخن والجن كل مساء بعد عشائك.» فسأله والدي كيف تسنى له أن يعرف هذا، وقد أجاب الرجل: «كانت طاهيتي تعمل لديك خادمة في المطبخ لسنتين أو ثلاث، وقد رأت الساقي يعد خليط الجن والماء ويذهب بهما إليك.» والواقع أن والدي كانت لديه تلك العادة الغريبة بأن يشرب بعد عشائه ماء ساخنا في كأس طويلة وكبيرة للغاية، وقد اعتاد الساقي أن يضع بعض الماء البارد أولا في الكأس، وهو ما ظنت الفتاة أنه شراب الجن، ثم يملأ الكأس بالماء المغلي من غلاية المطبخ.
لقد كان أبي يخبرني بالكثير من التفاصيل الصغيرة التي اكتشف أنها مفيدة في ممارسته لمهنة الطب؛ فقد كانت النساء يبكين كثيرا حين كن يخبرنه بمشكلاتهن، وهو ما كان يضيع الكثير من وقته الثمين، وسرعان ما اكتشف أنه حين كان يطلب منهن تمالك أنفسهن والتوقف عن البكاء، ما كان ذلك يزيدهن إلا بكاء ونحيبا؛ لذا فقد كان يحثهن على الاستمرار في البكاء، مخبرا إياهن بأن ذلك هو ما سيخفف عنهن أكثر من أي شيء آخر، ودائما ما كانت النتيجة هي توقفهن عن البكاء، مما يتيح له الاستماع جيدا لحالاتهن وتقديم النصيحة المطلوبة. وحين كان مرضاه الذين ساءت حالتهم يشتهون أنواعا غريبة وغير معتادة من الأطعمة، كان يسألهم عما دفع هذه الفكرة في عقولهم، وإن أجابوا بأنهم لا يعرفون، فإنه كان يسمح لهم بتناول ما يشتهون، وغالبا ما كان ينجح الأمر؛ إذ كان يثق بأنها رغبة غريزية لديهم فحسب، أما إذا أجابوا بأنهم قد سمعوا أن ذلك الطعام قد أفاد شخصا آخر في حالته المرضية، فإنه لم يكن يعطي موافقته على الإطلاق.
لقد قدم في أحد الأيام لمحة صغيرة وغريبة عن الطبيعة البشرية. كان ذلك حين كان شابا صغيرا إذ دعي إلى زيارة أحد الرجال المميزين في شروبشاير مع طبيب العائلة، وتقديم المشورة في حالته. وقد أخبر الطبيب العجوز الزوجة بأن هذا المرض سينتهي بالموت لا محالة. أما أبي، فقد كان له رأي آخر وقال بأن الرجل سيتعافى، غير أنه كان مخطئا تماما (وذلك عند تشريح الجثة على ما أعتقد)، وقد أقر أبي بخطئه. وكان مقتنعا حينئذ بأنه يجب ألا يقدم المشورة إلى هذه الأسرة مجددا، غير أن أرملة هذا الرجل قد أرسلت إليه بعد ذلك ببضعة أشهر؛ إذ لم تعد تستعين بخدمات طبيب الأسرة العجوز. كان أبي مندهشا لذلك للغاية، حتى إنه قد طلب من أحد أصدقاء الأرملة أن يسأل عن السبب الذي دفعهم إلى أخذ مشورته مجددا. فأجابت الأرملة هذا الصديق بأنها «لن ترى ثانية هذا الطبيب الكريه العجوز الذي قال من البداية إن زوجها سوف يموت بالتأكيد، على العكس من الدكتور داروين الذي كان يؤكد دوما أنه سيتعافى!» وفي حالة أخرى، كان والدي قد أخبر سيدة بأن زوجها سوف يموت لا محالة، ثم رأى والدي هذه السيدة بعد وفاة زوجها بعد ذلك بعدة أشهر، وقد كانت سيدة حكيمة فقالت له: «إنك ما تزال صغيرا للغاية؛ فاسمح لي أن أنصحك بأن تمنح الأمل لأي شخص يرعى قريبا له، طالما أمكنك ذلك. لقد جعلتني أشعر باليأس، ومنذ هذه اللحظة خارت قواي.» وقد كان أبي يقول إنه من ذلك الحين، أدرك الأهمية القصوى لإعطاء الأمل لمن يقوم على رعاية المريض؛ إذ إن ذلك يحافظ على تماسكه وقوته، مما يصب في مصلحة المريض. وقد كان يواجه صعوبة في فعل ذلك أحيانا لأنه يتعارض مع الحقيقة. غير أنه في إحدى المرات قد أنقذه سيد عجوز من تلك الحيرة. كان السيد ب... قد أرسل في طلب والدي لاستشارته، قائلا: «بناء على كل ما رأيته وسمعته عنك، فإنني أثق بأنك ستخبرني الحقيقة، وأنني إن سألتك متى سأموت، فسوف تجيبني. والآن فإنني أرغب بشدة في أن تشرف على حالتي، إن وعدتني بألا تخبرني أنني سأموت، مهما قلت لك.» وقد قبل والدي ذلك على أساس هذا الاتفاق الذي يعني أن كلامه لن يكون له في الواقع أي معنى على الإطلاق.
لقد كان والدي يتمتع بذاكرة استثنائية، لا سيما في تذكر التواريخ، حتى إنه كان لا يزال يتذكر وهو في كبره تواريخ الميلاد والزواج والوفاة لعدد كبير من الناس في شروبشاير، وقد أخبرني ذات يوم أن هذه الملكة تزعجه؛ فقد كان يحفظ أي تاريخ فور أن يسمعه، ولا يمكنه أن ينساه ؛ ومن ثم، فلطالما كان يتذكر تواريخ وفاة العديد من أصدقائه ويتذكرهم، فيشعر بالحزن. وبفضل ما كان يتمتع به من ذاكرة استثنائية، فقد كان يعرف عددا هائلا من القصص المشوقة الغريبة، والتي كان يحب أن يرويها؛ إذ كان متحدثا بارعا. لقد كان بوجه عام شخصا مرحا؛ يضحك ويمزح مع الجميع، وفيهم خدمه، بمنتهى الأريحية، غير أنه كان يعرف كيف يجعل الجميع يطيعون أوامره بحذافيرها. لقد كان العديد من الناس يخشونه بشدة؛ فقد حكى لنا والدي ذات يوم وهو يضحك أن بعض الناس قد سألوه عما إذا كانت الآنسة ... وهي سيدة عجوز مهيبة في شروبشاير، قد زارته، فتساءل عن السبب الذي دفعهم إلى سؤاله، وقد أخبروه بأن الآنسة ... التي كان أبي قد أغضبها بشدة، قد راحت تخبر الجميع بأنها ستزور وتخبر «هذا الطبيب السمين العجوز برأيها فيه بكل صراحة.» وقد زارته بالفعل، لكن شجاعتها قد خانتها، وقد كانت معه في غاية اللطف والود. وحين كنت صبيا، ذهبت كي أمكث في منزل ... وقد كانت زوجته بها بعض الجنون، وفور أن رأتني هذه المسكينة، تملكت منها أشد حالات الهلع التي رأيتها على الإطلاق؛ فقد راحت تنتحب بمرارة وتسألني مرارا وتكرارا: «هل سيأتي والدك؟» غير أنه سرعان ما هدأ روعها. وعند عودتي إلى المنزل، سألت والدي عن سبب هلعها، فقال إنه سعيد بسماع ذلك؛ إذ إنه قد تعمد إخافتها لأنه رأى أنها ستعيش في مأمن ودون تقييد لحريتها إن نجح زوجها في التأثير عليها، حينما تنتابها نوبات العنف، بأن يخبرها بأنه سيبعث في طلب الدكتور داروين، وقد كانت هذه الكلمات تنجح في تهدئتها في كل مرة على مدى ما تبقى من حياتها الطويلة.
لقد كان أبي حساسا للغاية؛ لذا فقد كانت العديد من الوقائع الصغيرة تزعجه أو تؤلمه بشدة. لقد سألته ذات مرة بعد أن كبرت سنه ولم يعد قادرا على السير، عن السبب في عدم الخروج والتنزه بالعربة، فأجابني: «إن كل طريق خارج شروزبيري يرتبط في ذهني بحادث أليم.» لكنه فيما عدا ذلك، كان شخصا مرحا في معظم الأحوال. وبالرغم من أنه كان يغضب بشدة بسهولة، فإن عطفه كان هائلا ولا حدود له. وقد كان محبوبا بشدة من الجميع.
لقد كان رجل أعمال جيدا وحريصا؛ فنادرا ما خسر أي نقود في أي استثمار، وقد ترك لأولاده إرثا كبيرا للغاية. وإنني أتذكر الآن قصة توضح مدى السهولة التي تنشأ بها المعتقدات العارية من الصحة وتنتشر انتشارا واسعا. كان السيد إي ... وهو من ملاك الضياع في إحدى أقدم العائلات في شروبشاير، وشريك كبير في أحد المصارف، قد انتحر، وقد بعثوا في طلب والدي من باب الواجب، لكنه وجده ميتا بالفعل. وأريد أن أذكر هنا، لأوضح كيفية تدبير مثل هذه الأمور في هذه الأيام الخوالي، أنه لما كان السيد إي ... رجلا عظيما يحترمه الجميع، فلم يجر تحقيق بخصوص موته. وعند عودة أبي إلى المنزل، رأى أنه يجب عليه الذهاب إلى المصرف (الذي كان لديه حساب فيه) لكي يخبر الشركاء التنفيذيين بما حدث؛ فلم يكن من المستبعد أن يتسبب ذلك في سحب كثير من الناس لأموالهم من البنك. وقد انتشرت شائعة انتشارا كبيرا وواسعا، مفادها أن والدي ذهب إلى المصرف وسحب جميع أمواله، وغادر البنك ثم عاد مجددا، وقال: «يمكنني أن أخبركم بأن السيد إي ... قد قتل نفسه.» ثم غادر. يبدو أنه كان هناك اعتقاد شائع حينها بأن النقود التي تسحبها من المصرف، لن تصبح آمنة حتى تخطو خارج باب المصرف. ولم يسمع أبي بهذه الشائعة إلا بعد ذلك بفترة قصيرة، حين قال الشريك التنفيذي إنه قد خرق قاعدته الثابتة التي تقضي بألا يطلع أي شخص على حساب شخص آخر؛ إذ كشف عن سجل الحساب الخاص بوالدي للعديد من الأشخاص، لكي يثبت أن أبي لم يسحب بنسا واحدا من نقوده في ذلك اليوم. ولئن انتشر الخبر بأن والدي قد سحب نقوده، لكان ذلك عارا عليه؛ إذ استخدم معلومة حصل عليها بسبب مهنته لمنفعته الخاصة. وعلى الرغم من ذلك، فقد نال التصرف المزعوم إعجاب العديد من الأشخاص، حتى إنه بعد ذلك بسنوات عديدة، قال أحد الرجال الأفاضل لوالدي: «لكم كنت رائعا في إدارة أعمالك أيها الطبيب! لقد تمكنت من سحب جميع نقودك من ذلك المصرف بأمان!»
لم يكن والدي يتمتع بملكة التفكير العلمي، ولم يحاول تعميم معرفته وجمعها تحت قوانين عامة، غير أنه كان يكون نظرية عن جميع ما تعرض له تقريبا. لا أعتقد بأنني قد أخذت منه الكثير من الناحية الفكرية، غير أنه كان مثالا يحتذى به في الأخلاق لجميع أطفاله. وقد كانت إحدى قواعده الذهبية (وهي قاعدة يصعب اتباعها) هي «لا تصادق من لا يمكن أن تكن له الاحترام.»
Неизвестная страница