وضاعف من رهبة الرسول أيضا ما أعاد نطقه العلام لنفسه في غيظ أقرب إلى الألم: ديار تونس يا علام ... ه ... هكذا أصبحت تونس وديارها مباحة لعرب المشرق! وعلى حين غرة علا هياجه شاهرا كرباجه ملوحا في وجهه: ما أريده الآن التفاصيل كلها.
ثم واصل هياجه وصراخه قائلا: ديار تونس! أنا من يقال له مثل هذا اللغو يوما؟
واندفع مشهرا ذراعه كلها على شبه خارطة مجسمة تملأ سطحا رخاميا بأكمله يشكل أرضية إحدى غرف قصره، وتبين الخارطة هذه تونس كلها بمعالمها من سهول خضراء يانعة العشب وأنهار ووديان وبحر ضارب إلى الزرقة.
ومضى العلام مشيرا بكرباجه وذراعه كلها للجميع، إلى ديار تونس وتخومها السبعة وقلاعها الأربع عشرة، في غضب شمل نائبه وتابعه وثلاثة من حجابه وحارسه الخاص، «عين» للزناتي خليفة مسلطة عليه يعرفها كما يعرف نفسه، وهي أكثر ما يخشاه في مثل هذا الموقف الذي تضمنه هذا التقرير المفاجئ حول كارثة وصول «عيون» الهلالية إلى تونس، كيف أن لا أحد من رجاله وفيالقه وعسسه وبصاصيه يعلم بهذا الأمر الخطير؟! حتى العلام هو نفسه المفروض أن يكون أول العارفين كان لا يعلم شيئا.
يا لها من كارثة! سيلاحقه الزناتي مدى العمر خاصة في مثل هذا اليوم المشئوم المصادف حلول العيد الكبير، أو عيد اللحم والضأن: تتسلل عيون بني هلال إلى بوابات تونس - قرطاج - وتدخلها عنوة، إلى هذا الحد؟!
كان أبو زيد وفتيانه الثلاثة يونس ومرعي ويحيى وبصحبتهم «مي الحزينة» قد وصلوا إلى ديار تونس، حيث دخلوها من بواباتها الشرقية التي فتحت منذ الصباح الباكر على مصراعيها للزائرين والغرباء، الذين تجمعت وفودهم على طول السهول الخارجية المحيطة التي لا يحدها البصر.
وفود من أعراب وبدو وشوام ومصريين ويونانيين وإيجيين وقبارصة بانتظار تلك اللحظة التي امتدت أياما بحالها قبل أن ينطق الأمير العلام بكلماته التقليدية: افتحوا البوابة الشرقية.
هكذا انسل أبو زيد والهلالية داخلين متسللين بعدما تعرضوا لأسئلة واستجواب طوابير طويلة ومختلفة من مختلف الرتب من عسس تونس الذين كانوا يسألونهم: من أنتم؟
نطق بها أبو زيد وأعاد نطقها على الربابة بمختلف تنويعاتها للحرس وأتباعهم وبصاصيهم والزوار الغرباء، فتجمهر الجميع من حوله وهو يقفز ويعزف إلى أن تدخل كبير الحرس، وكان مشرفا عليهم كأبي القمصان، مشيرا بكرباجه لإيقاف مهزلة أولئك الحوش قائلا: أنا لا أحب الموسيقى والدوشة ...
إلا أن أبا زيد واصل عزفه وقفزه الهزلي مادحا:
Неизвестная страница