ورغم هذا «فإيزيس» عرض مسرحي - رغم كل شيء - استمتعت به أنا وغيري غاية المتعة، استمتاع المستيقظ لتوه بعد غفوة إغماء طويلة، لقد عاد المسرح، لقد عاد! ها هو يتثاءب ويتمطى ولكن الحياة دبت فيه دبيب أرجل الكومبارس والراقصين، عادت الروح ترفرف في سقف مسرح الأزبكية العتيق، عدنا نذهب إلى المسرح.
أما أن يحضر الرئيس مبارك هذا الافتتاح، فتلك لفتة لا أظنها تخفى على أحد، لقد أراد بها فيما أظن أن يطيب خاطر الفنانين الذين انهالت عليهم الصحافة بالهيروين والكوكايين والانحلال، وأراد أن يقول أنا مع الفن الجاد (أي مع القطاع العام)، وأنا مع العمل الجاد حتى لو تكلف «350 ألف جنيه».
وهذا في حد ذاته انتصار كبير للعائلة الثقافية المسرحية، شكرا يا ريس، وشكرا أنك اصطحبت السيدة حرمك، فلي أكثر من خمسين عاما أعيش على الأرض المصرية وأحضر مسرحيات واحتفالات لم أشهد خلالها رئيس جمهورية جادا يحترم حضور المرأة ويصطحب زوجته لتحضر معه، وفي نفس اللوج، عرضا مسرحيا، إن هذا ما يسمونه التحضر الحقيقي، أما المخجل حقا فهو أن عدد المدعوات كان قليلا جدا، مع أن حدثا كهذا يعتبر في البلاد المتحضرة عيدا اجتماعيا وفنيا خطيرا تستعد له المهتمات بالفن - وما أكثرهن في مصر! - استعدادهن لحفل زفاف عزيز. •••
ولا أستطيع أن أنهي كلمتي قبل أن أقبل صلاح جاهين على أغنيته التي أرشحه معها لأن يبدأ كتابة أوبريتات من تأليفه.
كذلك لا أستطيع أن أنهي كلمتي قبل أن أشيد بسهير المرشدي إشادة خاصة، فقد نضجت الممثلة الشابة نضوجا جعلها تشرخ قلبي بإحساسها بعد أن كانت تشرخه بصوتها العالي، الآن هي تؤدي من الداخل، والداخل يصل مباشرة إلى الداخل، ويعتصره، هنيئا لك بدور العمر هذا يا سهير، وأرجو أن يكون بداية، مجرد بداية لمرحلة تجعلنا نغلي بالغضب وبالرضا، بالسخط والإشفاق، بالدموع والضحكات، وأنت تهمسين، فقط تهمسين.
مبروك يا أستاذة سميحة أيوب لافتتاح مسرحك.
مبروك يا كرم مطاوع بإيزيسك الصاخبة.
مبروك يا سهير المرشدي على سهيرك الجديدة.
لكي نعيش الحاضر لا بد أن نعرف المستقبل
منذ عام أو أكثر كتبت سلسلة مقالات، أحاول أن أشخص فيها سر «عدم خلو البال المصري»، وكان الاستنتاج الأكبر الذي وصلت إليه أن كثيرا من الارتباكات السائدة في حياتنا، على المستوى العام وعلى المستوى الفردي، على مستوى الحكومة، وعلى مستوى المعارضة، يكمن في تخوفنا أو بالأصح عدم تأكدنا من المستقبل، وقلت في تلك المقالات إن الإنسان كما أنه كائن له تاريخ وواع بتاريخه هذا، فإن إحدى خصائصه المهمة الخطيرة أنه كائن يعي أيضا أن له مستقبلا، بل إنه ليعيش الحاضر، ويعود يستوحي التاريخ ويذاكره خدمة للمستقبل، لتحديد ذلك المستقبل ونوعه ودوره فيه، بل حتى إنه لا يعيش الحاضر، لكل ما قد يبدو أنه مجرد وجود في الحاضر، إلا من أجل التمكين لمستقبله.
Неизвестная страница