حتى لا تشخص إلى الأرض،
وبينما جسمك ينزع إلى أعلى
يسوخ عقلك إلى أسفل.
الفصل السادس
السرمدي يعرف الكل
وما دام كل موضوع للمعرفة، مثلما بينا للتو، لا يعرف بفضل طبيعته هو، بل بفضل طبيعة أولئك الذين يدركونه، فلنفحص الآن، جهد ما نستطيع، طبيعة الجوهر الإلهي، عسانا نعرف أيضا ماذا تكون طريقته في المعرفة.
لا يختلف العقلاء جميعا على أن الله «سرمد»
eternal ، فلننظر في طبيعة السرمدية، فمن شأن ذلك أن يبين لنا كلا من طبيعة الله وطريقته في العرفان، والسرمدية هي الامتلاك التام والآني والكامل لحياة دائمة أبدا، ويتضح ذلك إذا قارناه بالمخلوقات التي توجد في الزمان؛ فأيما شيء يعيش في الزمان فإنه يوجد في الحاضر ويتقدم من الماضي إلى المستقبل، وليس ثمة شيء قائم في الزمان يمكنه أن يضم امتداد حياته كله في آن: إنه في وضع من فقد الأمس لتوه ولم يمتلك الغد بعد. في حياة اليوم هذه أنت لا تعيش بامتلاء إلا في تلك اللحظة الهاربة العابرة؛ ولذلك فإن كل ما يعاني حالة الوجود في الزمان، حتى لو لم تكن له أي بداية ولن تكون له أي نهاية وتمتد حياته إلى ما لا نهاية زمنية شأن العالم عند أرسطو، فلا يصح رغم ذلك أن يعد سرمديا.
إذن لقد أخطأ أولئك الفلاسفة الذين عندما قيل لهم إن أفلاطون قال بأن العالم لم تكن له بداية في الزمان ولن تكون له نهاية، ذهبوا إلى أن العالم المخلوق هو سرمدي مع الخالق؛ ذلك أن المسير في حياة لا نهائية، شأن العالم عند أفلاطون، غير أن تضم الحياة اللانهائية كلها في حاضر آني واحد، جلي أن هذه خاصة العقل الإلهي، فالله لا ينبغي أن يعد أقدم من العالم المخلوق في امتداد الزمن بل في خاصة الفورية في طبيعته. والتغير الدائب للأشياء في الزمان هو محاولة لتقليد هذه الحالة من حضور الحياة الثابتة؛ ولكن لأنها تعجز عن محاكاة تلك الحالة أو مساواتها فإنها تسقط من الثبات إلى التغير، من فورية الحضور إلى الامتداد اللانهائي للماضي والمستقبل. إنها لا يمكن أن تملك امتلاء حياتها كله في آن معا، وإن كان امتداد وجودها إلى ما لا نهاية يجعلها تبدو مضاهية إلى حد ما لذلك الذي لا تستطيع أن تحققه أو تجسده، وهي تفعل ذلك بأن تصل نفسها بنوع من الحضور في هذه اللحظة الضئيلة والزائلة، ولما كان هذا الحضور يحمل وجها من الشبه بذلك الحاضر المقيم فإنه يضفي على من يمتلكه مظهر الوجود الذي يقلده ويحاكيه.
ولكن لأنها تقصر عن ذلك فإنها تتشبث بالرحلة اللانهائية خلال الزمان، وبذلك أمكنها أن تبقي، بالمسير قدما، تلك الحياة التي لا يمكنها أن تضم امتلاءها كله بأن تبقى ثابتة؛ وعليه فإذا شئنا أن نسمي الأشياء بأسماء صحيحة فلنتبع أفلاطون ونقل إن الله «سرمد»
Неизвестная страница