واختفى عن بصري وراء ستائر الدجى، وتركني خائفا، طائشا، محتارا به وبنفسي.
ولما حولت قدمي عن ذلك المكان سمعت صوته متموجا بين تلك الصخور الباسقة قائلا: «إلى اللقاء إلى اللقاء».
وفي اليوم التالي طلقت امرأتي، وتزوجت صبية من بنات الجن، ثم أعطيت كل واحد من أطفالي رفشا، ومحفرا، وقلت لهم: «اذهبوا وكلما رأيتم ميتا واروه في التراب».
ومن تلك الساعة - إلى الآن - وأنا أحفر القبور، وألحد الأموات، غير أن الأموات كثيرون، وأنا وحدي وليس من يسعفني.
العبودية
إنما الناس عبيد الحياة، وهي العبودية التي تجعل أيامهم مكتنفة بالذل، والهوان، ولياليهم مغمورة بالدماء والدموع.
ها قد مر سبعة آلاف سنة على ولادتي الأولى - وللآن - لم أر غير العبيد المستسلمين والسجناء المكبلين.
لقد جبت مشارق الأرض، ومغاربها، وطفت في ظل الحياة، ونورها، وشاهدت مواكب الأمم والشعوب سائرة من الكهوف إلى الصروح، ولكنني لم أر - للآن - غير رقاب منحنية تحت الأثقال، وسواعد موثوقة بالسلاسل، وركب جاثية أمام الأصنام.
وقد اتبعت الإنسان من بابل إلى باريس، ومن نينوى إلى نيويورك، ورأيت آثار قيوده مطبوعة على الرمال بجانب آثار أقدامه، وسمعت الأودية، والغابات تردد صدى نواح الأجيال والقرون.
دخلت القصور، والمعاهد، والهياكل، ووقفت حذاء العروش، والمذابح، والمنابر، فرأيت العامل عبدا للتاجر، والتاجر عبدا للجندي، والجندي عبدا للحاكم، والحاكم عبدا للملك، والملك عبدا للكاهن، والكاهن عبدا للصنم، والصنم تراب جبلته الشياطين، ونصبته فوق رابية من جماجم الأموات.
Неизвестная страница