ومع ذلك ينجح بتفوق، ويكون من أوائل الدفعة.
وليس هذا هو المهم.
فمن أول لحظة وضع قدمه في الجامعة، وبدأ يتفتح وعيه إلى أنه ليس وحده الذي يشد «اللبان»، وليس وحده الذي لا يمتلك أبوه غير جلبابه يرتديه على اللحم الحي، جلباب في العادة على عكس جلباب أبيه، فلا هو أبيض ناصع، ولا هو خال من «رقعة». مذ أدرك هذا وبنهم راح يقرأ ويسمع ويطيل القراءة والسمع، ويتفتح له الوعي، ولا يفعل تفتح وعيه إلا إدراكه بأن الأمر في حاجة إلى التغيير، وأن من ينادون بالتغيير أبناء مدن، وحتى لو كانوا أبناء فلاحين أو عمال، فإن فرن الإرادة المتوهج داخلهم وقدرتهم وطاقتهم على العمل لإحداث ذلك التغيير أقل بكثير مما يجب، وأنه يستطيع أن يفعل الأكثر، ويقدم الأكثر، ويحقق الأكثر.
وعضوا في الاتحاد صار، وأوتادا للثقة به أخذت تندق، وخيمة هيمنته تتسع، واسمه وجرائد حيطانه، وخطبه واعتقالاته تصبح حديث الكلية، ثم حديث الجامعة، بل وأيضا حديث المدينة، المدينة الجامعية التي حاولت إدارة الجامعة رشوته بإلحاقه بها، قبل الرشوة لعلمه أنها لن تلين قناته، وإنما بها ومن خلالها سيجد له قاعدة انطلاق أشمل وأعم.
6
أحس الثور أن «عمه» سلطان لا بد قد راح في سبات عميق، فأنفاسه منتظمة وعيناه مغلقتان، وسكوته طال وطال، حتى إنه لم يعد يتلقى موجات ترد إليه عبر المسافة الكائنة بين مجلس السلطان في كرسيه العظيم وبين مجلسه هو، على حافة المقعد العريان متحفزا لأي إشارة أو بادرة احتياج من الرجل الكبير.
وهنا بدأ يتململ في مجلسه على طرف الكرسي، تململا لا حركة تصدر عنه، ثم تململا حرك فيه قدميه، ثم بدا وكأن الأمر لم يعد خافيا، وأن عمه السلطان نام نومة السلطان، وبهدوء شديد وقف وقفة من يستعد للانسحاب، وحين تأكد أن حركته تلك مرت هي الأخرى دون أن يشعر بها السلطان، بدأ يزحف بقدمين خفيفتين، وكأنما مبطنتان بفروة فهد، خطوة، ثم الثانية، ثم تسمر في مكانه فقد صدرت عن سلطانه زجرة سؤال آمر: رايح فين؟
زجرة سؤال أعادته فورا إلى جلسة حافة المقعد، يكاد يتمسح كقط يود أن يؤكد ألفته وانضباطه وطاعته. - أنا ما نمتش.
تردد «الثور» يقول: أنا ظنيت ... - اقعد. - أنا تحت أمرك إن شاء الله للصبح.
يقعد؟ يقعد لماذا؟
Неизвестная страница