أحمد فريد رفاعي
أول يونيه سنة 1927
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسل الله. وبعد، فإني أتقدم بهذا الأثر الضئيل من «عصر المأمون» إلى أمتي، وإلى الناطقين بالضاد من أبناء لغتي، وآمل بفضل إرشاد العلماء والنقاد أن يوفقني الله إلى إكمال النقص، وإصلاح الخطأ، وتلافي التقصير في الطبعات القادمة، معترفا في صدق وإخلاص بأن طبعتي هذه لا تعدو أن تكون «محاولة» لكتابة التاريخ العربي على النظم العلمية الحديثة، وأنت تعلم أن تاريخنا العربي لا يزال - بلا مبالغة ولا إغراق - تعوزه شتى المصادر، كما يعوزه التنظيم والترتيب والتحقيق والاستقراء.
وإني أسأله تعالى أن يجعلني ممن يذعن لكلمة الحق فيرعى حرمتها ويهتدي بهديها، غير مفتون بمدح المادح ولا مبتئس بقدح القادح.
كما أسأله أن يرشدني إلى المضي موفقا مسددا فيما أخذت به نفسي من البحث عن عصور «معاوية» و«المنصور» و«الرشيد» و«عبد الرحمن الأندلسي»، وآمل بمعونته تعالى، وبإرشاد العلماء والأدباء ومعونة المستشرقين والباحثين، وبما يهب لي الله من صبر وجلد ومواظبة ومثابرة، ومتابعة للدرس والاستقراء، وبما أوفق إليه من مصادر ونصوص، ومراجع ومظان، أن أكون عند الانتهاء من كتابة ما ارتهنت به - لو كان في العمر بقية - قد وفقت إلى تنظيم دراسة تلك البحوث تنظيما جزئيا يتفق ووسائلي ومقدوري، ويتمشى - إلى حد ما - والطريقة التحليلية الحديثة في كتابة التاريخ، وأن يكون عملي حين ذاك مما يسمح لي أن أقول في ثقة وإيمان: إني قد قمت حقا «بمحاولة» ذات أثر نافع تمكن غيري من اتخاذها أساسا لكتابة تاريخ المدنيات العربية الواسعة المدى، البليغة الأثر في الثقافات الإنسانية عامة، كتابة تاريخية صحيحة.
وقد وقع «عصر المأمون» في مجلدات ثلاثة؛ خصصت أولها بالتاريخ وما إلى التاريخ، وثانيها وثالثها بالأدب وما إلى الأدب، واعتمدت في تلخيصي للشعراء فيهما على أمهات المظان الأدبية، لا سيما كتاب «الأغاني»، وأعترف في صدق وإخلاص أن مهمتي في المجلدين الأخيرين لم تخرج عن مهمة المتخير لما في تلك العصور الزاهية من غرر ودرر، المنقب عما فيها من طرف وملح، الملخص لحياة أدبائها وشعرائها، المحتفظ بعبارات المعاصرين وشيوخ المؤلفين عنها.
وقسمت المجلد الأول إلى كتب ثلاثة عالجت فيها البحث عن عصور بني أمية وبني العباس والمأمون، وقد توخيت الإيجاز في فذلكتي التاريخية عن عصري الأمويين والعباسيين؛ لأنهما بمثابة تكأة وأساس لموضوعنا، كما لاحظت الاستمساك بالحيدة التامة وعدم التطوح مع أولئك المؤرخين والرواة الذين تأثروا بأهوائهم السياسية، ومعتقداتهم المذهبية، والذين نكبت بهم عن محجة الصواب مغالاتهم في الانتصار لفكرتهم الحزبية.
وقسمت المجلدين الثاني والثالث إلى ملحقات للكتب الثلاثة عن العصور الثلاثة، نشرت فيها ما وسعه المقام من المنثور والمنظوم والنصوص الطويلة والمقالات المستفيضة، وعنيت عناية خاصة إلى جانب ذلك بذكر جملة صالحة من آثار كاتب خاص وشاعر خاص على أنهما نموذجان لتمثيل عصرهما، واتخذت من عبد الحميد الكاتب وعمر بن أبي ربيعة نموذجا أمويا، ومن أبي الربيع محمد بن الليث وبشار بن برد مثالا عباسيا، ومن عمرو بن مسعدة وأبي نواس نموذجا لتصوير الحياة الكتابية والشعرية في عصر الأمين والمأمون، إلى غير ذلك من النماذج والآثار مما يستدعيه المقام، فجاء المجلدان الثاني والثالث بذلك مكملين للمجلد الأول.
Неизвестная страница