فقاطعه قائلا: أبوك لم يتزوج ولم يفكر في الزواج.
ثم وهو يعاود الابتسام: وماذا تعرف عن عمل أبيك؟ - صاحب ملهى ليلي. - ترى ما رأيهم في ذلك؟
فقال سمير ضاحكا: إنك أدرى بأهل حارتنا! - وأدرى بجدتك أيضا. - ولكنها تحبك دائما، لا يمكن أن تتصور كيف كانت فرحتها بخطابك ! - وأنت يا سمير، صارحني برأيك في عملي. - إنه عمل شريف يا أبي. - لعلها إجابة مدرسية! - ولكنها صادقة. - ألا يسيئك أن يعلم بها زملاؤك؟ - إنهم يعرفون! - أنت ولد شجاع! - بل أنت الشجاع يا أبي. - حقا؟! - تفعل ما تشاء دون اكتراث لآراء الناس!
وتبادلا نظرة باسمة وغامضة، وتساءل عزت: ترى ألم يكن يفضل أن يجد أباه أقل بدانة وأنظف عملا؟! وشعر بأنه ما زال عند أول درجة من درجات التعارف، وأن الكلفة لم ترفع بعد بينهما. قال: لا يجوز بعد اليوم أن تغيب عني طويلا، سأنتظرك كل جمعة.
فقال سمير معتذرا: أعدك بذلك، ولكن بدءا من العطلة الصيفية.
تلقى أول خيبة، ولكنه قال: أجل، الامتحان يقترب، فليكن. وعلى فكرة لقد أعددت لك غداء طيبا!
23
بدخول سمير في حياته تغير تركيبها بعض الشيء. على أي حال لم تعد كما كانت، وتوثقت العلاقة بينهما في الصيف فتحولت إلى معاشرة على مستوى رفيع. فاز بسعادة صافية يوم الجمعة، وأغدقت عليه ذكريات عذبة بقية الأسبوع، ومنه عرف أنه يحب طالبة بكلية العلوم تدعى رجاء، وأنه سيعلن خطبته فور انتهائه من الدراسة، فسعد عزت بالخبر. رحب بالحب الموفق، واعتبر نفسه مشاركا فيه على نحو ما. هنأ ابنه على التوفيق الذي حرم منه طيلة عمره. ترى كيف كانت تكون حياته لو تزوج من بدرية يوم رغب في ذلك؟ أي حياة نظيفة ومستقرة أفلتت من كليهما؟! ترى ألا تخطر لها مثل هذه الخواطر أحيانا؟ أما الذي أزعجه حقا فهو اهتمام ابنه الواضح بالسياسة. أصبحت السياسة مقرونة في ذهنه بالخيانة والجريمة والضياع. قال له مرة: السياسة شديدة الخطورة يا سمير. - ألا تشغل بالك أبدا؟ - كلا. - وتظن أنه لذلك توفرت لك السعادة؟
خطف منه نظرة؛ فقد حسبه يسخر منه، ولكنه وجده جادا بريئا. قال متهربا: لقد قضت السياسة على صديقي الوحيد في هذه الدنيا. - حمدون عجرمة؟ - أجل، أسمعت عن جماعة أبناء الغد؟ - طبعا. - إنها لمأساة حقا.
فقال سمير باسما: ومأساة أيضا ألا نهتم بالسياسة. - كان يردد ذلك، ألا يكفيك أن تكون مهندسا ورب أسرة؟ - لا هندسة ولا أسرة بلا سياسة! - مرحى ... مرحى ... يوجد ما هو أهم. - حقا؟ - يطيب لي في أوقات فراغي النادرة أن أتساءل عن معنى حياتنا! - ولكن السياسة تعطيك الجواب!
Неизвестная страница