6
عهد المدرسة الثانوية كان عهدا جديدا. فتحت نوافذ لتيار من المعلومات الجديدة، ثم تدفق منها هواء دافئ يفتح الأكمام وينضج الحنايا، ونبت شخص جديد في حنايا عزت ... وحمدون أيضا ... فانقسمت أرنبة أنفه، وغلظ صوته، وتقلقل بالأشواق المبهمة. وترحمت عين على عم عبد الباقي، وقالت: إنه يحاكيه رغم أنه لم يعرفه. وقالت إنه من الآن فصاعدا ستهب النسائم محملة بالعبير والمخاوف. في ذلك العهد صار حمدون قارئا لا ريب فيه، متنوع القراءات، منقبا عن أي كلمة ذات علاقة بالمسرح، وانغمس عزت - في أوقات فراغه - في قراءة القرآن والقصص البوليسية.
وكاد يعتاد السلوان عن بدرية لولا لقاء عابر غزاه بقوة من جديد. كان يمضي لدى الغروب في العطفة نحو بيت حمدون، وكانت بدرية تعبر العطفة نحو بيت مقابل. تشجعت بقرب المسافة وغياب الأب، فخرجت في الفستان سافرة شبه أنثى ناضجة، بوجه أكثر ثراء ونقاء، وقامة ممشوقة، وضفيرتين مرسلتين حتى نهاية الظهر. كادا يتلاقيان في نقطة واحدة تحت مظلة الغروب، تبادلا نظرة باسمة بالذكريات المشتركة عامرة بالمودة، وسرعان ما همس: أهلا.
فهمست في حياء: أهلا.
وأسرعت في مشيتها متعثرة بالخطا فواحة بالشباب المبكر. وتوقف تحت بيت ست رمانة والمغيب يقتحمه بعمق فيتحول رويدا إلى شبح ... أراد الوقوف ليثوب إلى رشده ويستر توازنه وتنعقد أواصره بما حوله من جديد ... أدرك بوجدان جديد أنه قضي عليه بأن يحب بدرية إلى الأبد. وتبدى له الحب كالحياة نفسها في جاذبيته واستبداده، وتخلى عنه إحساسه العميق بالسيادة فشعر بأنه وحيد. ولم يكن يحب المكث طويلا في بيت حمدون لاكتظاظه بأهله؛ فسرعان ما غادراه معا. مضيا نحو الكلوب المصري، وفي الطريق قال عزت ليروح عن نفسه: رأيت بدرية وأنا ذاهب إليك.
فتمتم حمدون: كثيرا ما أراها.
فاستسلم لدفعة داخلية قائلا: إني أحبها.
فقال حمدون ضاحكا: مثلك تماما!
فتساءل عزت بانزعاج: تحبها أيضا؟ - أكنت تتوقع أن أكرهها؟ - كلا طبعا ... ولكني أعني بالحب شيئا آخر.
فقال الآخر بهدوء: ليس بهذا المعنى. - اصدقني القول! - متى عرفتني كاذبا؟
Неизвестная страница