العسكري الأسود
العسكري الأسود
العسكري الأسود
العسكري الأسود
تأليف
يوسف إدريس
العسكري الأسود
1
حين أتحدث عن السر الذي كان يحيرني في «شوقي»، ولا أعرف له سببا أو تفسيرا، لا أقصد ابتسامته المشهورة عنه، التي كان لا يبتسم ليعبر بها عن شيء بقدر ما يستعملها كقناع داخلي يخرجه من فمه حين يريد؛ ليغطي به ملامحه، ويخفي وجهه الحقيقي عن الناس، ولا أقصد أيضا نظرته.
النظرة التي كان يطليها بزيت تعبيري معين دون أن يجعل بصرك ينزلق عن عينيه ولا يستقر لحظة، وكأنما لو استقر لأدركت سره وعرفت ما به، ولا أقصد أيضا الطريقة الغريبة التي كان يتصرف بها، انبثاقة الانفعال المفاجئة التي يدهش بها الحاضرين كلما ضمه مجلس، وأفلتت من أحد الموجودين كلمة ما أثارت تعليقا ما، وإذا بك بعد ثوان قليلة من ضيقه المباغت تجده على قدميه، وقد افتعل عذرا لا يهمه إدراك الحاضرين لوجاهته، وغادر المكان إلى الخارج الطلق إلى أي مكان، هذه أيضا لا أقصدها، ما أقصده شيء بالضبط لا أستطيع التعبير عنه، بل ولا حتى نجحت في اكتشافه بعد الحادث الهائل الذي قدر لي أن أكون شاهد عيانه، الحادث الذي كثيرا ما جلست وحدي أستعيد دقائقه لعلي ألمح هذا الشيء الواهي المروع الذي كان «شوقي» يضم عليه جوانحه، وأشهد أني في أحيان قليلة جدا استطعت، بالكاد، محاصرته، وإن فشلت في تحديده ومعرفته، بل لكي أكون صادقا مع نفسي أعترف أني في جلوسي لكتابة ما حدث، ليس لي من هدف سوى أمل واحد، أن أوفق عن طريق الكتابة فيما فشلت فيه عن طريق الخيال، بصراحة أكثر: أقامر؛ إذ من يدري، لعلي إذا انتهيت أكون قد فسرت كل شيء، ووصلت إلى الحقيقة التي دوختني محاولة الوصول إليها.
Неизвестная страница