ولكنه فوجئ بصديقه رفعت جالسا في البهو. - أنت؟ أنت في السعودية؟ - عمل. - فقط؟ - طبعا سأعمل هذه العمرة التي تحكون عنها في دينكم. - وأنت؟ ألك دين آخر؟ - أنت تعرف. - فعلا، أنت مسكين. أنت بلا دين على الإطلاق. - أحمد الله على ذلك. - بل احمد الشيطان إن شئت. - المهم أنت ماذا تفعل هنا؟ - أنا جئت من أجل هذه العمرة التي نؤمن بها نحن المسلمين. - وهل قمت بالعمرة؟ - ليس بعد. أنا على موعد مع الأصدقاء أن نقوم بها. - أذهب معكم. - ألا تخاف؟ - أخاف مم؟ - ألا تخاف أن تؤمن؟ إن للكعبة روعة، وإن لقبر الرسول ضياء لا تراه العين، وإنما ينفذ إلى القلب وإلى حنايا المشاعر، فيرج الإنسان رجا عميقا، وترى روحك حلقت إلى عليين تطوف مع النبي في رحلة آخر دين أرسل إلى الناس وتراه معذبا في سبيل عقيدته، ثم تراه في خطبة الوداع أتم دينه وبشرنا أن الله رضي لنا الإسلام دينا، يخطب في أصحاب حجه؛ إن دماءكم وأموالكم حرام بينكم حرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في عامكم هذا.
ويهتف بهم وهو يختم رسالته إلى البشرية: اللهم هل بلغت؟ ويصيحون: نعم. ويهتف مرة أخرى: اللهم فاشهد.
أتحتمل هذا جميعه؟ - قد لا يحتمله السذج من أمثالك، أما أنا فأحتمله. إني واثق. - لكم أخشى أن أجدك أكثر سذاجة مني ومن أصحابي المؤمنين. - لقد جربت نفسي مع الإيمان. - حقا؟ - ووجدت نفسي غير قابل للإيمان على الإطلاق. - هل أنت واثق؟ - كل الثقة. - وكيف عرفت؟ - تعرضت لمحنة فلم أذكر الله. - ما نوع المحنة؟ - هل يهمك هذا؟ - كل الأهمية. - كنت راكبا سيارتي وغفت عيني لأجد نفسي غائصا بسيارتي في الماء. حاولت أن أفتح باب السيارة فاستعصى علي. ورحت أحاول وأنفاسي تختنق بي تشدني إلى الموت في جذب آسر عنيف، ولم أجد أمامي إلا أن أحاول الخروج من شباك السيارة، فرحت أدفع جسمي خلاله دفعا، ثم لم أدر بعد ذلك من أمر نفسي شيئا. - أنقذت وأنت مغمى عليك؟ - نعم. - ومتى كنت تريد أن تذكر الله؟
إننا نحن المؤمنين نذكر الله حين نصبح عاجزين؛ فإن الله يأمرنا أن ندبر نحن أمر أنفسنا ونتوكل عليه ولا نتواكل.
وقد كنت أنت مشغولا بإنقاذ نفسك وحين جاءت اللحظة التي يجب أن تقول فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كنت مغمى عليك. يا صديقي، إن هذه التجربة لا تصلح دليلا تطمئن إليه أنك محصن ضد الإيمان. - أترى ذلك؟ - لا شك في ذلك. هيه، أتأتي معنا؟ - لا، سأذهب وحدي.
وأثار الحديث الكثير من الوساوس في ضميره. ما مصيري إذا اهتزت مشاعري من الإيمان، واستيقظت من سباتها تلك البذرة القديمة التي ألقى بها في نفسي أبواي، وسقتها البيئة والتقاليد وتاريخ أجدادي الطويل ذاك في ظل العقيدة.
وما البأس أن أومن وأظل في عملي؟ هراء. إن عملي متوقف على إلحادي. ولماذا ألقي بنفسي إلى صراع أنا في غنى عنه؟ وما لي لا أبعد مشاعري عن هذا الامتحان؟ قد أجوزه وأظل على إلحادي، أو قد أرسب وأعود إلى الإيمان، ويومئذ وداعا للكاديلاك، والملابس الأنيقة والعيش السعيد.
وبعد أيام التقى الصديقان في بهو الفندق. - أراك تنهي إقامتك بالفندق. - عائد إلى بيتي. - هل أديت العمرة؟ - لم يتسع الوقت.
الألغوزة
حاول الكثيرون من الناس أن يرضوا كل الناس فكان نصيبهم الفشل الذريع. كان بعض أولئك المحاولين من أصحاب المناصب. وكان بعض منهم آخر من أصحاب الأقلام. وكان بعض آخرون لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولكن الأمر الغريب أن جميعهم على اختلاف أماكنهم أصابهم الخذلان كل الخذلان والفشل غاية الفشل.
Неизвестная страница