Бедуинский влюбленный
العاشق البدوي
Жанры
إهداء
في الحب: منزلة الشبح
سجن وسجان
القبر: روضة من رياض الجنة
رسالة: الأصدقاء لا ينسون
نوار سعد: لا وقت للأقنعة
في القرية: ابتسامة الرمل
في القرية: نحو العاشق البدوي
في المدينة: تمارين نيفاشا
كتابات: رسائل إلكترونية
Неизвестная страница
كتابة: مخلوقات لذيذة
الكهف مرة أخرى: الخير
جماليات الكوارث: فصل في المال الحلال
قوالات
سابا تخلي: في مديح الحبشيات
في الكهف مرة أخرى
كلاب: لصوص وطلاق
القديسة: سهير حسان
زهرة الزقوم
العاشق البدوي: اسم الطين
Неизвестная страница
رسالة: العاشق البدوي
في بيت مايا زوكوف
قالت لي القديسة ذات مرة
أمين السوداني: ينام مع الفئران
الحكمة: امرأتان
النهايات:عفة الخيانة
الخير علي: رجل من الطمي
نوار سعد: الحياة تعني الكثير
المحراب: القلب الذي يعشق
مايكل: جنوبي جميل
Неизвестная страница
الشرطي: يعني دائما رجل الأمن جمال
البلاد الكبيرة: السودان بيت التعب
أمين: أمين محمد أحمد
رسالة: كتبت نوار طه إلى محمد آدم
إهداء
في الحب: منزلة الشبح
سجن وسجان
القبر: روضة من رياض الجنة
رسالة: الأصدقاء لا ينسون
نوار سعد: لا وقت للأقنعة
Неизвестная страница
في القرية: ابتسامة الرمل
في القرية: نحو العاشق البدوي
في المدينة: تمارين نيفاشا
كتابات: رسائل إلكترونية
كتابة: مخلوقات لذيذة
الكهف مرة أخرى: الخير
جماليات الكوارث: فصل في المال الحلال
قوالات
سابا تخلي: في مديح الحبشيات
في الكهف مرة أخرى
Неизвестная страница
كلاب: لصوص وطلاق
القديسة: سهير حسان
زهرة الزقوم
العاشق البدوي: اسم الطين
رسالة: العاشق البدوي
في بيت مايا زوكوف
قالت لي القديسة ذات مرة
أمين السوداني: ينام مع الفئران
الحكمة: امرأتان
النهايات:عفة الخيانة
Неизвестная страница
الخير علي: رجل من الطمي
نوار سعد: الحياة تعني الكثير
المحراب: القلب الذي يعشق
مايكل: جنوبي جميل
الشرطي: يعني دائما رجل الأمن جمال
البلاد الكبيرة: السودان بيت التعب
أمين: أمين محمد أحمد
رسالة: كتبت نوار طه إلى محمد آدم
العاشق البدوي
العاشق البدوي
Неизвестная страница
تأليف
عبد العزيز بركة ساكن
إهداء
إلى مريم بنت أبو جبرين
أمي
عبده بركة
في الحب: منزلة الشبح
الإنسان هو مشروع فاشل لمخلوق أسمى، ولو أنه لا يزال يحتفظ بقدر ضئيل من ملامح ما كان يجب أن يكونه، وبقدر واف من صفات المسخ الذي هو عليه الآن. وأنا أكتب ذكرياتي وأسجل وقائع حياة ما كانت ستصبح قاسية ومؤلمة لولا ذلك الكائن السامي، وما كانت تغدو جميلة وثرية لولا ذلك المسخ الحطيط، سوف أحكي هنا عن الإنسان؛ فقيرا ومؤلما كما العقرب، ولطيفا حلوا كالفراشة، وبعيدا عن هذه الثنائيات أحاول أن أكون صادقة وواضحة، وأحاول أن أقول أشياء هي غائمة الآن في ذهني، ولكن آثارها جلية في روحي وفي جسدي، سوف أحاول ألا أخجل للآخرين أو منهم.
أقول إنني سوف أكشف عري العراة، وعورة جحيم عشته بعمق، على الرغم من ذلك أرجو أن أكون رحيمة بجلادي، ولو أنني أصبحت جلادته؛ فلقد قتلته عدة مرات.
لا أعرف من أين أبدأ. اسمي سارة حسن، وستعرفون عني الكثير كلما حكيت لكم الكثير، فأنا لست براوية بارعة، ولم تكن لي جدة تحكي عند المساء، ولم أقرأ في حياتي كلها سوى حفنة من القصص، سيشاركني الروي جميع الناس الذين سوف أحكي عنهم، سيحكون عني وعن أنفسهم، سيروون شهاداتهم كما شاءوا، كلهم أبطال ورواة، بعضهم متمرس بل وماهر مثل سهير حسان أو القديسة كما يسميها أصدقاؤها، وبعضهم لا خبرة له في الحكي مثلي، وأخشى أن يكون ذلك مربكا، ولكن لكي أقول على الأقل معظم ما علي قوله، لا بد من ذلك، اسمحوا لي أيضا أن أبدأ حكايتي بالمشهد الأعمق في ذاتي الذي لن أنساه ما حييت.
Неизвестная страница
حدث ذلك ذات يوم في سجن لئيم، يبدو أن اليوم كان جمعة؛ لأن الشرطي الوسيم لم يتبختر عبر زنازين النساء؛ لينثر عطره الوقح في كرم وبجاحة إلا متأخرا، أي بعد الثالثة ظهرا، وهذا استثناء لا يحدث سوى مرة في الأسبوع، حيث إنه يستعد لصلاة الجمعة طيلة فترة الصباح. في الطبع والعادة، في غير أيام الجمعة، كان يحضر إلينا عند السابعة صباحا ثم يختفي، ثم يظهر مرة أخرى عند الواحدة بالضبط، ثم في غرفة الاستجواب - قاعة الاحتفال - ما بعد الواحدة بعد منتصف الليل .
قال لي الشرطي الوسيم وقد دخل إلي دون أية مقدمات، ملأ عطره القوي المستفز زنزانتي تماما، وزكم منخري وهو يقف أمام وجهي، يكاد يلمس أنفه فمي، لولا أنني كنت أنسحب للخلف تدريجيا، حتى كدت ألتصق بالحائط: أحبك يا سارة، أحبك جد، ولو وافقت على الزواج عندما تطلعي من هنا حنتزوج.
قلت له: أنا ما بحب ولا فاضية لمواضيع فارغة، ولو حبيت ما بحب في الوقت دا، ولا في المكان دا، ولا في الظروف دي، ولا واحد زيك.
قال في برود وقد كف عن التقدم نحوي: أنا عارف الشيوعيين عندهم رأي في العساكر، وناس الأمن والشرطة ... وكثير من الناس يعتبروننا بدون أحاسيس، ولكن المشاعر الإنسانية مفروض تكون ليها مكانة خاصة ... وبعدين العسكر ذاتهم خشم بيوت، زيهم زي أي زول؛ فيهم الصالح وفيهم الطالح.
قلت له من بين أسناني: وفيهم اللي مثلك.
قال ساخرا: اللي مثلي نادر.
ثم أضاف ضاحكا: أنا مش أسيبك ... وفي يوم ما حتلقي الحقيقة ... ونتزوج، وأنا جاد.
وما كنت أظن أن اليوم (الما)، هو نفس الليلة، على الرغم من أن الحوار الذي أداره معي يعني في عرف المكان أنني ضمن صيد اليوم.
عندما أخذنا الحرس من السجن السري بعربة، وأعيننا مغمضة إلى المكان الآخر، دعوني أسميه المكان الآخر؛ لأنني إلى الآن لا أدري أين هو أو أعرف اسمه الحقيقي، كنا ثلاث فتيات من ثلاث زنازين مختلفة، لم أرهن من قبل، وكانت تظهر عليهن علامات الضرب والتعذيب، قلن لي فيما بعد إنهن طالبات بالجامعة في السنة الأولى، وإنهن يعرفنني جيدا، وكنت أمثل لهن نموذج المرأة المناضلة، وحكين عني الكثير من المواقف والبطولات التي ما عادت تهمني الآن، كان تفكيري كله ينصب في أمر واحد؛ الحرية، أريد أن أخرج من هذا المكان بأسرع ما يمكن، يكفي هذا الأسبوع الطويل الذي قضيته في هذا المكان المرعب.
بعد أن قدموا لنا وجبة العشاء بدأ التحقيق، وفي ربع الساعة الأولى من التحقيق أحسست بالدوار يتملكني، كنت أرى كل شيء وأسمع كل شيء كما لو كنت في الحلم، ولكن عضلاتي لا تستجيب لأية حركة، قامت الطالبتان بتجريدي من ملابسي ووضعي على فراش بالأرض، من ثم جاء الشرطي الوسيم ومارس الجنس معنا الثلاثة، البنتان سعيدتان تضحكان وهن يهيئنني في أوضاع مختلفة ويرضعن صدري، بل يفعلن بي أسوأ من ذلك. عندما استيقظت في الفجر وجدت نفسي وحيدة في حجرة، كانت أصوات المعتقلات تأتي من بعيد مختلطة بهمهمة العسكر ولجبهم وكركبة معالجة السلاح والأقفال. يؤلمني ما بين فخذي، جرح أحس به عميقا في روحي، عميقا في مشاعري، عميقا في كبريائي وإنسانيتي، ثم جاءني الشرطي، تحدث مباشرة وكأنه يكمل كلاما كان قد بدأه سابقا: كنت مدفوعا لعمل دا ... مدفوعا ما من زول، ولكن بالحب، الحب وحده.
Неизвестная страница
قلت له مغتاظة: حا أقتلك إذا خرجت حية من هنا.
ابتسم وهو يقول: حتخرجي حية من هنا، وأنا أعرف وما حتقتليني، ما تقدري تقتلي نملة، المهم تعرفي أنا بحبك وما أخليك، كوني مثل صاحباتك هم الآن أحرار، وأخير ليك تفضلي معاي، كوني مثل صاحباتك هم الآن يستمتعوا بكل لحظة يقضوها هنا، وحياتهم الليلة أكثر سعادة من الأول ... حرية تامة هنا ... أي شيء هنا بدون ذنب، ذنبك كله علي وعلى الحكومة، أنا قبلان أنو أدخل النار عشانكم. فأنت سجينة في يد غيرك وتصرف غيرك، وذنبك برضو على غيرك ... هي فرصة إنك تعملي أي شيء كنت محرومة منه ... وأنا ماشي وما عايز رد الآن ... فكري في الموضوع.
كنت أحس أنه يسخر مني، وهذا فصل من التعذيب آخر، قتل الروح المعنوية وتدمير الذات، كان كلامه ينخر في عظمي كالسوس. وذهب.
يبدو أن المكان الذي نحبس فيه الآن معتقل كبير عتيق، ولو أننا لا نرى منه غير الحجرة التي نشغلها، ولا نعرف غير الذين هم نحن، ولا يمر علينا من السجانين غير اثنين: الشرطي الوسيم والآخر، ولو أننا نسمع كثيرا من الأصوات ليلا ونهارا، كنا فيما يشبه قاعة كبيرة في عمارة شاهقة، وكان هذا إحساسنا جميعا، ربما كنا في الطابق الرابع أو الخامس، نسبة لما يبدو حركة بشر وأصوات تأتي من تحتنا.
كان شميم المكان هو الموت، أصواته نواح وألم، ملمسه جثث باردة، منظره حزن عميق ومأساة، كان كل شيء فيه يثير غرائز النهاية والاستسلام.
سجن وسجان
أخذت سارة حسن إلى الجزء الجنوبي من المحراب، الجزء الذي له مكانة خاصة عند المختار حيث القطية الكبيرة، قطية الروح، محاطة بشجر عرديب كثيف شديد الخضرة، حدثتني عن أشياء تعجبها في نوار سعد، ودرس تعلمته في السجن.
وقالت أن علاقة نوار سعد بأمين محمد أحمد هي ذات العلاقة بين سجين وسجان، الفرق هنا أن السجين هو أمين محمد أحمد والسجان هو نوار سعد، والسجن ليس إلا فكرة ملحة في ذهن كليهما. قرأنا معا ما كان مكتوبا على بوابة المحراب من طواسين الحلاج:
لو علمت أن السجود لآدم ينجيني ...
لسجدت.
Неизвестная страница
ولكن قد علمت أن وراء تلك الدائرة دوائر.
فقلت في حالي: هب أني نجوت من هذه الدائرة ...
كيف أنجو من الثانية والثالثة والرابعة؟
المحراب نظيف، وفراش المختار يشع جمالا وسكونا، كتبه على المنضدة، مصحفه على المقرأة، حذاؤه الجلدي المركوب الفاشري على المحذأة، يفوح عطر الصندل من كل أنحاء المكان، المصلاة مهيأة موجهة إلى القبلة، كل شيء يؤكد أن المختار موجود الآن، وأنه خرج ليتوضأ ويعود بعد لحظات قلائل، إنه الآن يدخل المحراب، طويلا يرتدي الدمور الأبيض، يسلم على السيدتين ولا ينتبهان، كانت سارة حسن تحدثني عن السجن والشرطي الوسيم ... قالت وهي تكتب: إذا جمعنا قبح العالم كله لن يساوي شيئا يسيرا من قبح البنتين السجينتين وفجورهما، جاءتا إلي في الزنزانة في ذات الصباح وطلبتا مني العفو، قالتا إنهما يفعلان ما يؤمران، وإنهما يفضلان الحياة بمائة مرة على الموت، وإنهما يرغبان في الخروج من المعتقل؛ يستكملان دراستهما، يتزوجان وينجبان أطفالا مثلهما مثل كل النساء ... - وأظنك كذلك تحبين الحياة.
قالتا إنه لا أخلاق في هذا المكان ولا دين ولا رب ولا رسل ... هنا فقط الضابط الوسيم؛ الأول والأخير.
بصقت في وجه إحديهما، مسحت البصقة بظهر كفها، طلبتا مني العفو مرة أخرى مما أحرجني؛ فاعتذرت لها.
فاغتصبني في ذات الليلة بدون عشاء مفخخ، رغم الجرح والألم، رغم النزف، لكني لم أستعطفه، لم أرجه، لم أصرخ، كنت أبصق في وجهه كلما امتلأ فمي باللعاب؛ يبتسم.
ثم بعد ذلك طلب مني أن يتزوجني، مؤكدا أنه اكتشف أن كل ما كان يدور حولي من تهم مجرد افتراء حكومي بغيض، وتكفي عذريتي التي انتهكها شاهدا على براءتي. قال ذلك وفي فمه ما يشبه الموت.
تزوجني بحضور شهود لهم جلابيب بيضاء وعمامات بيض وأوجه قبيحة، وقرءوا ما تيسر لهم من القرآن، وأخذت إلى شهر العسل في الفندق العجوز الذي اكتشفت أننا القاطنان الوحيدان به. حراس، عسكر الدورية، وأنين يأتي من البعيد ليلا ونهارا. كان مكانا مرعبا فارغا لا حياة فيه سوى الفراغ، الصالات الضخمة الفارغة، البهو الكبير الفارغ عند المدخل، عشرات الحجرات الكبيرة الفارغة، الممرات التي تمضي بين هنا وهنالك في صمت وفراغ، صدى طرقات الريح على الأبواب والنوافذ، هبوبها في المماشي الفارغة، صليل أنفاس الفراغ، صدى صرخات الوطاويط الحزينة السجينة بالمكان، رائحة الموت.
لحق بنا مايكل وبرهاني وأمين، خلعوا الأحذية عند المحراب، لم ينتبهوا إلى ما كتب مقابلا للمدخل من مقالة إبليس في طس الدائرة، دخلوا، جلسوا على الأرض في أدب جم.
Неизвестная страница
أضافت سارة جملة أخيرة إلى دفتر مذكراتها قبل أن تخلد إلى أصحابها: كان شخصا مرعبا ومعقدا ... ولا يمكن فهمه مطلقا.
القبر: روضة من رياض الجنة
كنت وجمال الأمين، وهو الشرطي الذي تزوجني، نجلس عند الحديقة المتوحشة الصغيرة الداخلية للفندق العجوز المهجور، كان هذا الفندق في أزمنة الاستعمار الإنجليزي قصرا فخما لاستضافة كبار الشخصيات القادمين من العالم المسيطر، ذا قاعات وغرف شاسعة بسقوف عالية ترفعها أعمدة من الرخام في غطرسة وشموخ، تحول القصر بعد الاستقلال إلى فندق خمس نجوم، لم يغيروا فيه الكثير، ربما أضافوا إليه حديقة صغيرة في الجزء الخلفي، وهي التي نجلس عليها الآن، وعدلوا في نظام الصرف الخاص به؛ حيث إنه كان يعتمد على التفريغ اليدوي والميكانيكي، وتحول إلى نظام المجاري الذي يصب في النهر مباشرة وبدون أية معالجة. الفندق يقع على ضفة النهر الشرقية، ولا يفصله عنه سوى شارع النيل. لأسباب لا يعلمها أي من المواطنين الشرفاء تحول هذا الفندق إلى بيت من بيوت الأشباح، تستغله السلطات في أغراض أمنية بحتة.
كانت الإضاءة خافتة كما يفعل من لا نراهم دائما. حدثني عن عمله المرهق، قال إنه سينزل المعاش وسوف يأخذني إلى القاهرة لكي نعيش هناك في أمن وسلام، حيث نقدم للهجرة إلى كندا، أستراليا، فرنسا، أو إذا ضرب حظه وأصابه اللوتري الأمريكي، فيا حظنا! - فأنت شيوعية معروفة، وأنا بإمكاني أجيب ورق من رئاسة أمن الدولة بأنك كنت تحت الاعتقال، وثائق حقيقية من ملفك الشخصي مباشرة، وثائق تفتح قدامك أبواب الدول العظمى كلها في لحظة واحدة، بداية بإسرائيل نهاية بأمريكا، وبالتالي نبعد من البلد دي ومشاكلها.
قلت له وقد أحسست بإهانة بالغة تخنقني: أنت ساذج ولا بتفتكرني أنا ساذجة؟ - أنا بتكلم عن مصلحة، أنا زول عملي، وما عندي أية مصلحة في الحكومة دي، ولا البلد دي، ولا الناس ديل، في الحقيقة أنا زول غلبان زيك، لا أحلم بتغيير الكون ولا السيطرة على العالم، عايز أعيش وبس.
قلت له بجدية ووضوح تام: أنا عكسك تماما، أنا ما غلبانة، وعندي مصلحة في البلد دي وفي ناسها وحتى حيواناتها، وبحلم بتغيير العالم للأحسن، يعني أنا عارفة عايزة شنو، وبعمل في شنو؟ وأنت لولا أنك مستخدم سلطتك ضدي والله ما بسلم عليك في الشارع ... أنت زول تافه وزيك زي أي حثالة. - أنا؟
نهض فجأة في حركة مسرحية، دائما ما يقوم بها عندما تغلبه الحيلة فيحاول إخافتي.
إذ برجل عار يصرخ وهو يجري في الحديقة باحثا عن مخرج، يتجه نحونا صارخا طالبا النجدة، وإذا برجلين أبيضين ملتحيين سمينين كانا يتعقبانه، يلقيان به أرضا بضربة حرة في مؤخرة رأسه، يلحقها به أحدهما فيسقط متأوها، يجرانه على الأرض جرا، ثم يختفي الجميع في ظلامات الفندق العجوز المهجور، تتبعهم همهمة واستعطاف هزيلان. حدث ذلك كما لو كان شريطا سينمائيا سريعا، كما لو كان كابوسا طويلا، كما لو كان فيلما هتشكوكيا. - دا شنو؟
صرخت في رعب، قال ببرود وكأن شيئا لم يحدث: أحد الخونة هرب من الاستجواب.
قلت له في غيظ: من التعذيب ولا من الاستجواب؟
Неизвестная страница
قال مبتسما: من الاستجواب.
قلت له وأنا أرتجف خوفا: الزول دا جسمه كله مجرح ومحرق والدم سايل من ظهره! أنت ما لاحظت؟
قال في برود وهو يهز ساقيه بإيقاع داخلي: يكون وقع في مصيبة عوقته.
قلت له: وديل شنو الناس البيض ديل، شياطين؟
قال وهو يجلس في مقعده بهدوء: ديل خبراء تحقيق من أبناء عمومتنا العرب، كانوا في أفغانستان، حاربوا الروس الشيوعيين هناك، عندهم خبرة كبيرة في التعامل مع اليساريين والجواسيس بصورة عامة.
قلت له بطريقة جادة وأنا أنهض من الكرسي: خلينا نخرج من المكان دا ...
قال مبتسما: لوين؟ - لأي مكان تاني. - لا يوجد مكان أهدأ من هنا ... الحدث دا ما حيتكرر تاني، أوعدك ... أنا حاحسم الموضوع دا نهائيا. - أفضل نمشي من هنا، بس نطلع من هنا. وأنت ليه ما عايز توديني البيت، مش خلاص عرستني؟ - أنت قبل شوية ما قلت أنا تافه وما حتسلمي علي في الشارع؟ - أنا اتراجعت، حاسلم عليك، بس وديني بيتنا. - بيتكم! - أيوا! - ولكن ... خلي التحقيق معاك ينتهي، أنت لسه في نظر القانون خاينة، وخطرة على الدولة، وهم طالبين منك طلب بسيط وأنت ما عايزة توفي بيه. - كويس لو بقينا هنا؟ ... حاقتلك ... - تقتليني أنا؟ عملت ليك شنو؟ - نعم ... حاقتلك أنت، ومن الأحسن تاخد المسألة مأخذ الجد.
قال محتارا أو مراوغا: إذا نمشي وين؟
قلت له بحدة: نمشي إلى الكهوف. - ياتو كهوف ... - كهوف مايا زوكوف ...
سأل ضاحكا: مايا زوكوف؟ - نعم. - كهوف كلية الفنون اللي كلها قبور وشياطين؟ - نعم. - لكنهم ما بيسمحوا لينا نمشي هناك. - بإمكانك تدبيره ... أنت موظف كبير ومسئول، وأنت اللي بتسمح واللي ما بتسمح.
Неизвестная страница
قال وقد تراجعت ضحكته إلى ابتسامة بائلة: خليني أفكر في الأمر.
ثم أضاف بعد صمت طويل: أنت شيطان بحق وحقيقة، وأنا مسكين وقعت في حبك.
كنت أعرف أنه كاذب وتافه وحقير، ولكني لم أستطع أن أكتشف ماذا يرمي من وراء لعبة الحب هذه، وهو ينال كل شيء مني بإرادة السلطة والقهر، والآن بشرعية الزواج، لا أعرف ماذا بعد، ولم يجب، أعادني إلى المعتقل. بعد خمسة أشهر أجريت لي أول عملية إجهاض، كانت عنيفة ومؤلمة، في الحقيقة كان إجهاضا جماعيا، كنا عشرين فتاة، جميعهن من الجامعة، جميعهن تم اغتصابهن بواسطة ذات الشرطي، وتم زواجهن جميعا له بمأذون زيف وآيات وأحاديث وسنة وشهود منتهكين ...
كنا في عنبر كبير من الزنك متسع، تفوح منه رائحة الوطاويط، يسكنه البوم والصراصير. جاء - حدث ذلك بعد أسبوعين من مأساة الإجهاض الجماعي - وقف عند المدخل منتفخا كأنه رب حجري من الحصى والرمل والطين، رافعا رأسه للسماء بهتلرية بائدة بائلة، يرفع كلتا يديه في تحية للعالم الذي تحت قدميه، قال بصوت عال: لا تخافوا، حتحملوا تاني من جديد، وتستمتعوا بحريتكم بعيدا عن الأسرة والقوالات، يا حبيباتي الشيوعيات الصغيرات الطاهرات العاهرات، ما أجمل أن يجد الرجل نفسه بكون كله من الشراميط!
شراميط زي الورد!
ثم طلب من الحرس أن يأخذني إليه، قلت للحرس: لن أذهب.
ولكنه أكد أن الريس لا تعصى أوامره، وأنه فوق كل ذلك يقدرني بشكل خاص، وهذه مكانة لا ينالها شخص في قلبه سوى حبه للنبي وآل بيته. - يعرف النبي؟ هذا الذئب، هل يعرف الله؟
تذكرت أنه قال لي ذات مرة إنه مسلم ملتزم، وإن ذلك لا يتناقض مع ما يقوم به من معاص وذنوب؛ لأنه عندما يتوضأ للصلاة فإن الوضوء يغسل عنه الذنوب الصغيرة جميعها؛ مثل ضرب المعتقلين وتعذيبهم، بعض التجاوزات المالية الصغيرة والكبيرة منها، كل أنواع الكذبات والاحتيال، النظر إلى النساء ولمسهن، وما شابه ذلك. أما ما يقترفه من كبائر مثل شرب الخمر، الزنا، القتل - نادرا ما أقوم به - وما شاكلهم، فإنه بحجه السنوي لبيت الله الحرام - الذي تكلفه له الحكومة وتحرص عليه - يخلص نفسه منها، ويأتي كما ولدته أمه؛ نقيا نظيفا عفيفا.
وأكد لي أن الله يغفر الذنوب جميعا، ما عدا أن يشرك به. بالتالي يا سارة أنا مهما عملت؛ قتلت، نكت، سرقت، ضربت، كذبت، وعملت السبعة وذمتها، ذنوبي لا تساوي ذرة من آثام الشرك اللي في رقبة شيوعي واحد صغير اتجند ليه يومين.
أنتم لا تصلون، لا تصومون، بالتالي لا تتوضئون، لا تحجون بيت الله الحرام، والأدهى والأمر تشركون به.
Неизвестная страница
أكد لي الحرس ببرود بغيض: من الأحسن أن تحتفظي بالشيء اللي ما ينقال في سرك، وعلى كل حال حتمشي ليه، حتمشي ليه.
أول مرة أرى مكتبه، كان أفخم مكتب أراه في حياتي، أعظم مما يقال عنه، وكان يلبس كأبهى ما يكون، يفوح من المكتب عطر عظيم يتخلل المسام ويلج إلى القلب مباشرة، كنت قد غسلت وغيرت ملابسي وهيئت للقائه. قال: الآن سأحقق رغبتك، حنمشي إلى كهوف مايا زوكوف فلاديمير، أو مايا العزيز، أو كهل المخابرات الروسية في العهد الشيوعي البائد، الرقم تسعين زيرو زيرو ... حنمشي برانا ونكمل شهر العسل هناك ... عايز فقط أبرهن ليك حبي ... - برانا! - نعم برانا، أنا لا أخاف إلا الله، وأعرف أن الله لا يفعل بي إلا خيرا، حرسي هو الله، وأنا حآخذ إجازة من اليوم، عايز أتفرغ ليك شوية، أديكي حقك الشرعي، زوجتي الأولى قضيت معاها ستة شهور في العسل. - وحبيباتك الشيوعيات؟
ضحك، بل قهقه قائلا: أحبك أنت فقط، وأنا راجلك أنت بس، والبقية أقوم بواجبي الوظيفي تجاههن لا أكثر.
وقبل أن أقول شيئا دخل الحرس، أكد له أن كل شيء جاهز، وخرجنا بعد أن قبلني بعمق واعتذر لي في مسألة الإجهاض، وقال ذلك تم بسلطات أعلى من سلطاته، ولا ذنب ولا يد له في ذلك. - ولو علي كنت احتفظت بعيالي كلهم، أنا أحب الأطفال، وكل طفل مات كأنه قطعة من كبدي انقطعت.
وقال لي إنه مسئول فقط عن نشاطات الشيوعيات، هنالك من هو مسئول عن نشاطات حزب الأمة، آخر للاتحادي، آخر لأنصار السنة، وآخر للحزب الحاكم نفسه حين يجب الضرب بيد من حديد: في اللحظات الحرجة لا فرق. هنالك أيضا رجل صديق مسئول عن البعثيات التابعات للعراق، وآخر لمن يتبعن سوريا. وحدثني عن خبراته الكبيرة المتراكمة في هذا المجال؛ حيث إنه يستطيع التفرقة ما بين الشيوعيات الماركسيات الملحدات منهن والمسلمات، وذلك بمجرد أن يولج ذكره في الواحدة منهن، قال إن التروتسكية ... ثم ضحك حتى سال الدمع من عينيه وهو يقول: الزملاء الذين يتعاملون مع أنصاريات السنة والجبهجيات والأنصاريات وغيرها من أحزاب اليمين يقولون شيئا عجيبا ... لا يمكن ... نعم، لا يمكنني قوله؛ لأنني سأموت من الضحك. ثم استغفر الله وواصل القول: إن دخول هذا الشيء في امرأة غصبا عنها لأمر مدهش، لولا ارتباط ذلك بالمهنة لأصبح أمرا مسليا، ولألفنا فيه كتبا كثيرة. قال: التروتسكاويات تبصق الواحدة في وجهك مباشرة، وبالنسبة للفرد المدرب يجب ألا يغيظه ذلك بقدر ما يجب عليه أن يسجل ملحوظة صغيرة في ذهنه العملي؛ إن الزميلة تروتسكية، وأن يستفيد من ذلك في التحقيق، وقد يقوم بلحس البصقة في متعة تغيظ المتهمة أكثر.
الماويات يكتفين بالصراخ والضرب وسب الدين، أما أنت فعرفتك بإشارة لن أقولها لك مطلقا.
ضحك، دخن سيجارة، نزلت العربة عن طريق الأسفلت متخذة الطريق البري إلى كهوف مايا زوكوف، يبدو أن أحدهم قد سبقنا إلى الكهف، فكان نظيفا، تفوح منه رائحة العطور الخشبية وبه كرسي مريح، أمامه منضدة وبالقرب منه حافظة ماء كبيرة نظيفة، على الحائط توجد معاول وجاروف ليسا بعيدين عن باب الكهف. جلس على الكرسي مباشرة حيث لا يوجد مقعد آخر، جلست أنا على مقعد حجري كبير كان قد نحته طلاب كلية الفنون في عصر مايا العزيز، وكنت واحدة منهم، قال لي إنه بالداخل يوجد سرير ومفارش مهيأة، سوف نقضي ما تبقى لنا من شهر العسل هناك يا حبيبتي ... وأنا لا أحب أن أكرر الأوامر، ولا أحب أن يغدر بي، أنا وحدي مسموح لي بأن أغدر بالجميع؛ لأن غدري في المصلحة العامة، علينا أن نتفق على كدا.
كل ما تحتاجين إليه تجدينه على الحائط قرب القبر، أنا سوف أسترخي قليلا. بالمناسبة ... المفروض يكون جوه القبر دا، لكن للأسف لا يعرفني جيدا، كان صديق دراسة، لعبنا سوا واتشيطنا سوا، يعرفني المرحوم دا حق المعرفة، نعم كنا شباب متطلعين للحياة، لكن كل واحد منا كان يرى المستقبل بصورة مختلفة عن الآخر، بينما شلت أنا سكة الحياة، هو اختار سكة الموت، والنتيجة هي زي ما شايفة.
منو مننا الأبقى؟
ومنو مننا الهالك؟
Неизвестная страница
منو الخسران؟
ومنو مننا اللي ربح البيع؟
لقد أدخلوه في مفرمة كبيرة تستخدم لسحق عظام العجول ... ها. ها ... يا حبيبتي الجميلة الطاهرة، نحن في قسم النساء مهماتنا صعبة، حقيقة، وأنا بالذات أكثر زول في الأفراد تعبان. ضحك في هستيرية، ثم أضاف: لولا أن صادفت فحلا مثلي لما استطاع كائن ما كان أن يقضي المهمة في ليلة واحدة ... صدقيني ... لقد أكبرت فيك التزامك بالخلق الحميد، خلق يليق بكم، يا لكم من شيوعيين وبعثيين ومطاليق! تكفرون بالله ورسوله ولا تفرطوا في غشاء بكاراتكم؟
أنتم توفرون لنا اللذة في تمامها. أنا سوف أسترخي قليلا، وإذا بدت منك أية حركة سوف أقتلك فورا ... ثم آخذك إلى الحجرة الداخلية بالكهف الصغير حيث أعد لك الرجال قبرا جميلا يليق بمقامك ... نحن لا نترك شيئا للصدفة. لكنه لم ينم.
توقفت سارة حسن عن الكتابة، كانت تتذكر الحوادث كما لو أنها تجري الآن نصب عينيها، شربت جرعة كبيرة من الماء، أطفأت نور السراج الصغير، ذهبت نحو الفراش، أزاحت قدم آدم قليلا، أزاحت عنه الغطاء كلية، استيقظ مذعورا، ضحكا، تعانقا، مسح بكفه على شعرها، حرره من رباط الحرير، كان شعرها ناعما له رائحة عطرة، بأناملها تعبث في شعر صدره، تحب ذلك المكان، يثيرها ملمسه الخشن، قبلها بعمق.
منذ أن هربت سارة من المعتقل أصيبت بفوبيا من الجماع، وكان آدم يحاول أن يخلصها منها، إلا أنها تنكمش في اللحظات الأخيرة على نفسها، وتصبح مثل كرة مغلقة من المعدن، وقد تصرخ، ولا يمكن التعامل مع جسدها بعد ذلك إلا إذا ضربت، وآدم لا يفضل ذلك، ولكنها تجبره على ضربها حتى تستسلم للفراش، ربما لهذا السبب بالذات اختارا قطية تقع على أقصى جنوب المحراب، تقريبا على ضفة النهر الصغير.
بجسدها خرائط لبلاد لا عناوين لها، صنعتها عصا الجلاد، وتبدو الجروح العميقة مثل نهيرات جفت منذ عصور سحيقة، والحروق أخاديد وأطلال براكين. يعرف آدم كل أثر في أي موضوع كان، رسم ذلك مرات عديدة في لوحات جميلة مرعبة، كان يسميها قديسة العذابات والشهيدة الحية مرة، يحبها آدم كما هي وبما هي عليه بالضبط، ما يؤلمه حقا أنه يضربها مضطرا، وذلك لأجلها، يضربها بسوط له فرقعة مدوية، ولكنه لا يؤلم كثيرا، بل يؤلم كثيرا، قال له الطبيب النفساني: هي مسألة وقت لا أكثر.
كنت أجلس قربه وأنا في غاية القلق والتشاؤم، الدنيا تضيق في عيني أكثر في كل لحظة يأس تمر بي، لماذا أنا هنا؟ في الحقيقة لم تفدني كل التبريرات التي خطرت بذهني في تلك اللحظات، ما يخص الدافع الوطني والإنساني والبطولي، انتهاء بالواجب الحزبي، لقد كفرت بكل شيء، لولا أنني لا أعرف إجابات مقنعة لأسئلتهم لجاوبت، فلقد كانوا يطلبون مني المستحيل، كانوا يريدون أن أدلهم على قوائم العضوية، وعناوين الحزبيين، وأين يختبئ الذين لا عنوان لديهم، الذين لم أسمع بأسمائهم ولم أرهم من قبل، ومن هم وماذا يفعلون الآن؟ كانوا لا يصدقون أنني لا أستطيع الإجابة عن أي من هذه الأسئلة؛ لأنني ببساطة لا أمتلك الإجابات الصحيحة لها، فكنت أؤكد لهم أنني لست سوى طالبة جامعية نشطة، تكره فيما تكره السلطة الحاكمة، وتحب فيما تحب اليسار، المسألة ليست أكثر من إعجاب، وإذا كنت أعرف أية معلومة تخرجني من هذا الجحيم لقلتها بدون تردد.
يبدو في هذا اليوم سعيدا، ومتفرغا لمتعه الخاصة، وقد عبر لي أكثر من مرة أنه لا يخدم وظيفته بأكثر مما يمتع نفسه، وعندما يتعارض الهدفان فإنه يتبع هواه، وقال لي: الآن أنا أتبع هواي.
كان الكهف صامتا، إلا ما تتسرب إليه من أصوات قبرات وأطيار ليل من بعيد، وقد يسمع صفير ضب أو صرير جندب بين الفينة والأخرى، كنت أرتدي كامل ملابسي، بل وحذائي أيضا، عكسه تماما؛ حيث إنه يبدو كما لو كان في بيته، مسترخيا في ملابسه الداخلية، حافي القدمين. كان رأسه الحليق يعكس أشعة الضوء الخافت وهو يهتز مجاريا إيقاع أغنية يؤديها في صمت.
Неизвестная страница
قال لي بهدوء مرعب وهو ينظر في عمق عيني: تعالي يا حبيبتي.
قال الكلمة الأخيرة كما لو كان يؤدي أغنية.
ثم أخذ يهذي كالمجنون: «الحبيبات لا يخلفن ميعادا.»
أخرج من حقيبة صغيرة زجاجة خمر مكتوب عليها
DRY GIN . قال لي: كنت عايز أنوم، ولكن قلت من الأحسن نشرب مع بعض شوية جن وننوم سوا. وشايفك متوترة ومزاجك عكران، ولابسة لبس ستة، تعالي اشربي شوية جن يمكن تروقي حبة.
قلت له، وأنا أقف بعيدا عن يده الممدودة في إلحاح: أنا لا أشرب الخمر ولا أحبها.
قال وفي فمه ابتسامة بنية: دا خمر مستورد، جن إنجليزي، وهو ليس من الخمور المحرمة، والعرب ما كانوا بيعرفوه في زمان الوحي، بالرغم من أنهم أول من قطر الكحول في العالم، ولكن فاتت عليهم حكاية الجن دي.
قلت بصورة قاطعة: محرم أو غير محرم أنا ما بشربه.
قال ملوحا لي بالزجاجة: طبعا بتكوني مسلمة، فإذا كنت مسلمة أنا أعدك بأن ذنبك علي.
قلت له في إصرار: برضي ما بشربه.
Неизвестная страница
قال وهو يبتلع جرعة ضخمة، ويدفع بحزمة كبيرة من الهواء خارج جوفه: كلنا مسلمون، ولكن شوية معصية من أجل الاستمتاع بالحياة والقبض على اللحظة ما فيها مشكلة. ثم أضاف: أنت عارفة يا سارة، لو شربت شوية وشعشعتي، وبعد داك مارسنا مع بعض حتعرفي قيمة الحب، ما في أجمل من الخمرة والجنس سوا، والجن بالذات بيهيج الزول.
قلت له من بين أسناني: أنا هنا سجينة وبس، وما عندي أي رغبة في شيء لا جنس ولا خمر، كل ما أحتاج ليه حريتي، عايزة أمشي بيتنا وبس.
قال بعد أن ابتلع جرعة أخرى: ولكن أنت مش اخترتي براك المكان دا؟
قلت له: أنا عايزة أكون حرة؟ الكهوف برضها سجن.
قال دون مبالاة، وكأنه يتحدث إلى طفلة: إن شاء الله قريبا جدا حتاخدي حريتك، وحنحتفل سوا بالمناسبة دي، بس اشربي شوية دواقة ما أكثر، بقة بقتين.
ومد لي الزجاجة فرفضتها وذهبت بعيدا في عمق الكهف تاركة إياه، كان يغني بصوت عال والغريب في الأمر كان يمتلك صوتا جميلا شجيا وهو يغني مقلدا صلاح الضي:
يا طير يا ماشي لأهلنا
بسراع وصل رسايلنا
أتيت إليه مهرولة على إثر سماع فرقعة الزجاجة على الحائط، قال: آسف، أنا لمان أكمل القزازة أحتفي بها بجدعها. انخلعت؟
ثم سألني بصوت سكير وهو يحرك يديه في الهواء: أنت عارفة صلاح دا قتله شنو؟ صلاح دا قتله الحب، كان أروش ما بيعرف يحب، والحب زي الحرب؛ عايز استراتيجية وتكتيك، صلاح كان لأ، أنا بعرفه، كان يرمي بنفسه في ميدان المعركة دفعة واحدة ثم يفكر في الهجوم أو الانسحاب. كنا سوا في ليبيا، غنينا وسكرنا ومدحنا، صلاح دا أحسن مداح في الدنيا، وأحسن زول خلقه ربنا في الزمن داك، آآآآآآآه، زمن والله ...
Неизвестная страница
ثم أخرج زجاجة أخرى ثم أخرى ...
ثم طلب مني أن أخلع ما تبقى من ملابسه جميعا، وأن أخلع ملابسي ونذهب للسرير، كان قد بدا ضعيفا وهزيلا وهو يقول ذلك، ولكنه فجأة غير رأيه قائلا: سارة، يا سارة.
أجبته في ضيق: نعم؟
قال لي آمرا: امشي جيبي الكوريك.
سألته: لييه؟ - عايز أوريك حاجة.
كان الجاروف في موقع ليس بالبعيد عن باب الكهف، في خطوتين نحو المخرج التقطته.
قال لي: اضربي به على القبر كما ضرب سيدنا موسى عليه السلام على البحر.
قلت له: ما فاهمة. - يعني ما عارفة كيف سيدنا موسى ضرب بعكازه البحر لما سكاه الفرعون؟ أنت ما مؤمنة؟
ثم أضاف وهو ينظر إلي بعينين حمراوين من فعل الخمر، وفي فمه ابتسامة مخمورة: اضربي القبر يا زولة، القبر دا.
مشيرا إلى قبر صديقنا حافظ الذي قتل ودفن في الصحراء، وعندما عثرنا على قبره بعد جهد جهيد ومغامرات ورشاوي، قمنا بإعادة دفنه هنا في كهوف مايا زوكوف، حيث إنها كانت أحب الأماكن لقلبه. - اضربي بقوتك كلها كشيوعية، لا تخشي في الضرب لومة لائم.
Неизвестная страница
وأخذ يضحك. وقررت بيني وبين نفسي، قررت.
وبمجرد أن ضرب على القبر ضربة قوية بالجاروف، إذا بالقبر ينهار وتسقط القبة الخارجية للداخل، وهي تصدر صوتا مرعبا، ثم تظهر حفرة عميقة مظلمة لا نهاية لها ... قال ضاحكا: انظري، فالقبر كما يقولون إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ... إنه قبر صديقك: روضة أم حفرة؟ نعم، نسيت أن أقول لك إننا أخذناه من هذا الجحيم وأعدناه للصحراء مرة أخرى؛ لأننا نحتاج للحفرة دي في الشغل ... ما رأيك حنقضي جزء من شهر العسل هنا ... جو الحفرة دي، هل في الكون رومانسية وحشية أكتر من كدا؟
لا أدري كيف، ولا من أين أتتني قوة مدهشة في القلب واليد؛ لأنني دونما أشعر وجدت نفسي أضربه على صدره بالجاروف ليسقط على الأرض والدم يسيل من أنفه، كنت أضربه بدون توقف، بسرعة، بخوف، دون تردد أو رحمة، دون تفكير في كل مكان بجسده، إلى أن همد تماما، ثم قمت بسحبه إلى الحفرة ورميته فيها، فذهب لعمق لا أعلمه، مصدرا دويا هائلا ثم صمت. بقيت واقفة أنظر في عمق الهاوية لزمن لا أعرف مقداره قبل أن أخرج، أطلق ساقي للريح في الفلوات دون هدى، عندما انتبهت إلى نفسي وجدتني على مشارف المحراب ... وهنالك بدأت قصة هروب أخرى استمرت خمس سنوات ... وسأكتب ذلك تحت العناوين التالية: الجثة، الحرية، الكهف مرة أخرى.
رسالة: الأصدقاء لا ينسون
أسوأ ما في الموت أنه يحرمك من التسكع ليلا في الشوارع، هي الفكرة الوحيدة التي توصلت إليها من خطاب دوشكا تودروف، صديقة وربما حبيبة مايا زوكوف، وهي السيدة التي أخبرتنا بموته أو انتحاره. لكي أقرأه مرة أخرى وضعته تحت المخدة وخرجت. الفصل صيف، أخذت الأشجار تسقط أوراقها بكثرة عندما ترك عليها عصافير الدوري الصغيرة أو عندما تعبث بها أنامل الريح، تعلمت من المختار ألا أتضجر من الأوراق المتساقطة؛ لأنها كما يقول: هي ما أوساخ قد تكون أي شيء آخر ... لكنها ما أوساخ.
الآن أحس بها أقرب إلي من كل شيء ، كنت أجمعها برفق وأضعها في حوض ضخم، قام بحفره أمين محمد أحمد، لم يحفره من أجل أوراق الأشجار، ولكنه يود أن يفعل شيئا واضحا، ولا يمكن محوه أو نسيانه بسهولة ليذكره بما سماه: أكثر أيام حياتي دهشة.
ولم يكتف بالحفر، ولكن بنى صرحا من الأسمنت كتب عليه:
أشكرك يا ربي على هذا اليوم المدهش
على أرواح الأشجار المتقافزة في اخضرار
على حلم السماء الأزرق الحقيقي
Неизвестная страница