قالت: «يترك الخطبة والخطيبة.»
قال: «وإذا كان مفتونا قد غلب على أمره؟»
قالت: «دعنا من ذلك فإني لا أراكم إلا لصوصا تطلبون المال فهذه الأموال لديكم وأنا الكفيلة بأضعافها إذا أطلقتم سراحنا.»
قال: «أما إذا أعطيتنا المال فنشكرك كثيرا، ولكننا لا نستطيع أن نطلق سراحك. ولا ينبغي يا سيدتي أن تحزني على شيء أضعته بهذا الانتقال فأنت ذاهبة إلى أعظم رجل في العالم فإذا أحسنت معاملته ملكت الرقاب.»
فأشكل عليها فهم حقيقة ما يعنيه فقالت: «لم أفهم مرادك، من هو ذلك الذي تعنيه؟»
قال: «ستعلمين كل شيء بعد بضعة أيام. فاطمئني وستكونين معنا معززة مكرمة، ثم متى وصلنا إلى المكان المقصود كنت في أرغد عيش وأسعد حال.»
قضت عدة أيام مع قهرمانتها وأولئك القوم في أتم ما يرام من الإعزاز والإكرام. وكانوا قد حلوا وثاقهما في صباح اليوم التالي وقاموا بخدمتهما أحسن قيام من الطعام والشراب والمبيت.
وقد أتيح لجهان الفرار لو أطاعتها نفسها عليه. ولكنها أكبرته وخافت مغبته. وكبير النفس لا يطاوعه وجدانه على الفرار حتى من الموت.
مرت في أثناء هذه الرحلة بمدن وقرى وجبال وأودية وسهول وحرون، ورأت أقواما من أمم شتى، فعلمت من القرائن أنها مرت بأذربيجان، وجاء العريف ذات يوم وأخبرها أنها صارت في أرمينيا وأنها لا تلبث أن تدخل أردبيل. فعلمت أنهم سائرون بها إلى بابك الخرمي. فتذكرت أنه كان قد طلبها من أبيها ولم تقبله، فتحققت أنها محمولة إليه، فأخذت تتأهب لدفعه وعلمت أنها مكيدة من أخيها فندمت على الركون إليه.
وقد أصاب ظنها بسامان؛ فإنه طبع على اللؤم وزاده فعل أبيه نقمة عليه وعلى أخته. وكان صاحب أطماع لم يستطع تحقيقها بعلو الهمة والبسالة مثل كبار الرجال فالتمسها بالحيلة والخداع. وليس أشأم على الأمة من أن يعجز رجال المطامع فيها عن نيلها بأعمال تتفق ومصلحتها؛ لأنهم حينئذ يضحون بمصلحتها في سبيل مطامعهم. فانتظم سامان في سلك الخرمية. وهي جمعية سرية قامت على مقاومة أصحاب السيادة، وزعيمها في ذلك العصر بابك الخرمي صاحب أردبيل. وكان الخرمية يسعون في تأييد سلطته سرا. وكان شديد البطش يبالغ في اقتناء النساء لا يسمع بامرأة جميلة إلا سعي في استجلابها، فإذا لم يستطع ذلك بالجاه طلبها بالمال، فإذا أعجزه إحضارها بالمال حملها بالقوة. فشاع خبره في الآفاق، وسمع بجهان فبعث يخطبها على يد سامان فلم يرض أبوها؛ فدس إلى سامان أنه إذا أتاه بها رفع قدره وأغناه وقلده منصبا عاليا. ولم يكن سامان قادرا على شيء في حياة أبيه، فلما توفي أبوه وقد حرمه من الإرث ازداد رغبة في الانتقام، ولقي الأصبهبذ نائب بابك في فرغانة أيام النيروز في بعض جلسات الخرمية التي كان يحضرها سرا فيغيب عن البيت أياما وأبوه لا يعلم وإنما كان يقضيها في الكيد والتواطؤ. فتواطأ معه على أن يحتال في حمل جهان إلى أردبيل وهو لا يبالي عواطف المحبين لدناءة طبعه وهو ناقص الرجولة. وعزم على ذلك خاصة بعد مقابلته للأفشين واطلاعه على وصية أبيه، فأصبح همه الانتقام من الأفشين؛ فوجد في تنفيذ المؤامرة مع الأصبهبذ سبيلا لنيل ما يتمناه من الثروة والنفوذ والانتقام من عدوه. فاتفق مع الأصبهبذ على أن يهيئ رجالا يكمنون في الطريق بين الري وهمذان ليأسروا جهان أثناء سفرها إلى العراق ليظهر للملأ أنهم أخذوها منه قهرا. وبعد أن أخذوها لم يكن غرضه من الذهاب إلى العراق إلا إلقاء الفتنة بين ضرغام والأفشين. وهو يعلم بسالة ضرغام وتفانيه في سبيل جهان فإن علم أن الأفشين أسرها أسرع إلى قتله. وكان سامان ضعيف العزم قليل الدهاء. فلم يحسن سبك حيلته، فلم ينطل أمر اختفائها على ضرغام. فرجع من العراق وهو يعتقد أنه أتم مهمته وفاز بمرامه.
Неизвестная страница