فأعجب الرجل بشجاعته ومبادرته إلى الذهاب وحده فقال: «ألا ترى يا سيدي أن نرسل أحدا للبحث عنهم وتمكث أنت هنا؟»
قال: «كلا، يكفي أن ترسل معنا رجلا يدلنا على الطريق.» ومشى وسيفه إلى جانبه وقد التف بعباءته والكوفية حول رأسه، وتبعه سامان ورجل من حراس تلك المحطة، سار أمامهما في شعاب وعرة وقد غابت الشمس وأخذ الظلام يتكاثف، وضرغام مطرق لا يلتفت ولا يتكلم، حتى انتهوا إلى منعطف في ذلك الجبل فوقف الدليل وأشار بيده إلى نور ضعيف على أكمة أمامهم وقال: «هذا مقر القوم يا سيدي، وأخاف أن يبطشوا بنا.»
الفصل الرابع عشر
المعتصم والعرب
أظهر سامان أنه يود الذهاب مع ضرغام، ولكن هذا أبقاه هناك ومشى وحده يتعثر بالحصى ويسمع لوقوع نعاله قرقعة كأن غضبه أعماه عن الخطر الذي يهدده بالسير وحده، ولكنه كان شديد الاعتداد بقوته كثير الاعتماد على بسالته. حتى إذا صار على مرمى سهم من مقر اللصوص، رأى أشباحا تتراوح بينه وبين المصباح وسمع هرير الكلاب فلم يبال. ورآه القوم قادما وحده فلم يخطر لهم أنه عدو لعلمهم أن العدو لا يجسر على القدوم وحيدا، فتصدر واحد منهم وصاح: «من هذا؟»
فقال ضرغام: «قادم يبحث عن ضائع ... أين كبيركم؟»
ومضت لحظة رأى في أثنائها القوم في حركة وتهامس، ثم تقدم واحد منهم وبيده قبس وقد تلثم بكوفية والتف بعباءة ، فتفرس ضرغام فيه فلم يعرفه ولكنه جعل يده على قبضة سيفه وهو يتحفز للوثوب أو الدفاع ولم يكد صاحب القبس يصل إلى ضرغام حتى قال له: «أهلا بضرغام، أهلا بالصاحب.»
فلما سمعه يناديه باسمه خفق قلبه واستأنس به ولكنه لم يعرفه فقال: «من أنت؟»
وكان قد وصل إليه فأزاح اللثام وأدنى القبس من وجهه وقال: «ألم تعرفني؟»
فتفرس ضرغام فيه، ولما عرفه صاح: «حماد؟! ما الذي أتى بك إلى هنا؟»
Неизвестная страница