وأوصيت أيضا أن أدفن بعد موتي في برج السكوت في ضاحية فرغانة، وتترك جثتي طعاما للكواسر.
وأورمزد يتولى القيام بهذه الوصية ويعين صديقي الأفشين على العمل بها.
وكان الموبذ يقرأ وسامان وجهان صامتان، حتى بلغ إلى حرمان سامان من الإرث فتغير وجه الشاب وامتقع لونه، ولكنه تجلد وكظم حتى فرغ الموبذ من تلاوة الوصية فقال له: «كيف حرمني أبي من حقي وأنا ابنه الوحيد؟! هذا لا يكون أبدا. أنا وارث اسم أبي ولقبه وأما العقار فلي ولأختي جهان!»
فقال الموبذ: «قد قرأت عليكما الوصية ولا سبيل إلى غير ما فيها. والرأي في كل حال رأي الأفشين، وقد فرغت من رسالتي فائذنا لي في الانصراف، وسيأتي الأفشين فيتولى العمل بالوصية، والدولة تساعده على تنفيذها بالقوة، فأنصح لك يا ولدي بأن تصبر على ما فاتك من إرث والدك.» قال ذلك وخرج مسرعا وخرج سامان يشيعه إلى سلم الإيوان. فلما ودعه ونزل الحديقة وقف سامان ينظر إليه ويحرق أسنانه ويقول في نفسه: «هذا ما كنت أخافه من مجيئك يا موبذ النحس، كم أرسلني أبي لطلبك وأنا أماطل وأحتال لتأخير حضورك خوفا من مثل هذه الوصية؛ لأني كنت أشعر بما في نفس أبي علي. نعم أنا أعرف سبب غضبه وما كنت أظنه عرفه، ولكن ذلك لا يحرمني من حقي في الميراث. صدقت يا موبذ إن الأمر بيد الأفشين اللعين وهذا أطمع من نملة. ولعله سعى في الوصاية ليستولي على التركة ويحرمنا منها جميعا. آه لو كانت جهان تطاوعني لكنا نكيد له كيدا عظيما، ولكنها شديدة التمسك بما يسمونه شرف النفس والأريحية على أني سأكيد لهم جميعا.» وكان يناجي نفسه بهذه الخواطر وهو ينظر إلى الموبذ الذي غادر الحديقة وركب فرسه وسار في سبيله، ثم رجع سامان إلى أخته. وكانت قد شق عليها أن يكون الأفشين وصيا عليها، ولكنها رأت ألا مفر من ذلك. كما شق عليها حرمان أخيها من الإرث، فقالت له: «طب نفسا يا أخي، إنك لن تلاقي ضيما وأنا على قيد الحياة. فأنت أخي وأنا أعوضك عما فاتك من الميراث.»
فأطرق ولوى عنقه تذللا ومسكنة، ثم رفع بصره والدمع في عينيه وقال: «لم يسؤني حرماني من الإرث بقدر ما ساءني سببه، فأي ذنب ارتكبته حتى أعامل هذه المعاملة؟!»
قالت: «لا أعلم السبب ولا يعلمه إلا الأفشين، وسيسافر إلى بغداد ونبقى نحن والمال بين أيدينا نتصرف فيه كما نشاء.»
فشكر لها عطفها عليه، وكظم ما في نفسه، وشق عليه أن يطلع الأفشين والموبذ على سبب حرمانه فسكت، وجلس يفكر في تدبير المكائد ونصب الحبائل، وخاف أن تنتبه أخته لما في ذهنه فشغلها بذكر ضرغام فقال: «لقد أبطأ علينا البطل ضرغام، ولا بد لتغيبه من سبب قهري.»
قالت: «يلوح لي أنه بعيد عن فرغانة، فلو كان بها أو قريبا منها لما فاته خبر المصيبة التي حلت بنا، ولعله يعود قريبا.»
فقال: «لو كان هنا لخفت المصيبة علينا؛ إني أستأنس بطلعته، لقد سموه ضرغاما وهو اسم على مسمى. وكم فيه من خصال تندر في سواه!»
فوقع ذلك الإطراء في نفس جهان وقوع الماء على الظمآن. ومع علمها أن أخاها يمدحه مجاملة لها، أسرع لسماع الحديث عمن تحب، وأخذت تغالط نفسها في أن أخاها يحبه، وأنها كانت مخطئة في زعمها الأول!
Неизвестная страница