فاستأنفتا السير وخلفهما فيروز، حتى بلغتا الشاطئ بقرب كوخ تحت شجرة. فرأتا آثار أناس كانوا هناك وانصرفوا من برهة وجيزة. ومن بين هذه الآثار بقية نار لا تزال موقدة. وبقايا طعام وفاكهة وعظام. ثم إذا بصاحب الكوخ قد خرج للقائهما ورحب بهما ظانا أنهما نازلتان عنده. وكانت خيزران قد دعت فيروز وأمرته أن يسأل أهل الكوخ عن القوم الذين كانوا هناك، فتقدم وحيا الرجل وسأله فقال: «هم جند من المسلمين عبروا النهر عند الفجر وأقاموا هنا إلى الظهر فتغدوا وانصرفوا.»
قال: «وهل عرفت وجهة مسيرهم؟»
قال: «أظنهم يقصدون فرغانة ولعلهم يريدون قضاء النيروز فيها.»
فلما سمعت جهان قوله رجحت أن القوم ضرغام ورجاله، وندمت على مجيئها لاعتقادها أن ضرغاما إذا أتى فرغانة يذهب توا إلى دار أبيها، فرأت أن ترجع إليها لتدركه، وأشارت إلى خيزران أن تحول عنان جوادها وتتبعها قبل أن يدركهما الظلام وهما على بعد ميلين من المدينة. ففعلت وحثتا الجوادين عائدتين إلى المكان الذي ينتظرهما الركب فيه بباب المدينة.
وكان من في الموكب قد قلقوا لغياب جهان، وأرسلوا بعضهم للبحث عنها في الجهة التي ذهبت للصيد فيها، فعاد هؤلاء دون أن يجدوها. فازداد القلق عليها. فلما رأوها مقبلة عرفوها من بعيد بقيافتها ولون فرسها. ثم رحبوا بها وجاءوها بالطعام المهيأ لها، فأشارت عليها خيزران أن تتناول شيئا منه فأطاعتها وتناولت بعض اللحم والقومز والفاكهة على عجل. ولحظت أثناء ذلك أن خادما يكلم القهرمانة همسا وأن هذه تغير وجهها. فأدركت أن هناك أمرا ذا بال. ونادت القهرمانة ونظرت في عينيها مستفهمة فقالت خيزران: «إن مولاي سامان جاء إلى هنا وسأل عنك، ثم رجع لتوه.»
فقالت: «وماذا قال؟»
قالت: «لم يقل شيئا.» وتشاغلت بازدراد لقمة كانت تمضغها وكادت تغص بها.
فتفرست جهان في وجه الخادم الذي كان يخاطب خيزران وقالت: «أظنه جاء في شأن أبي. هل عليه بأس؟»
فلم تستغرب خيزران سرعة انتباهها؛ لأنها كثيرا ما كانت تقرأ أفكار المتكلمين بالتفرس في عيونهم. فأجابتها بقولها: «لا بأس على مولاي بفضل «أورمزد» - إله الخير عند المجوس - لكنه استبطأ عودتك ويريد أن يراك فنحن في يوم النيروز.»
فنهضت جهان وأشارت إلى الخدم أن يعدوا المركبة للعودة وقالت: «لم يبعث أبي إلي إلا وهو يشكو من اشتداد المرض عليه. هيا بنا.»
Неизвестная страница