قال: «متى شئت.»
قال: «الليلة. دعني أدهم القوم ليلا فإذا أصبح الصباح ودخلت البذ حيا، فاهجموا أنتم على سائر جهات البلدة فيكون فتحها أمرا مقضيا.»
قال الأفشين: «بل أرى أن نتهيأ جميعا للهجوم ليلا، على أن تذهب أنت برجالك من وراء التل وتمكث تجاه المدينة حتى ترى نارا أوقدها هنا بعد نصف الليل، وعلامتها أنها مثلثة؛ أي تكون ثلاث نيران متحاذية، فإذا رأيتها علمت أن الجند كله مهاجم المدينة من كل جهاتها فاهجم أنت برجالك من ناحيتك، ولا يخفى عليك يا ولدي أنك في أشد المواقع خطرا.»
قال: «لا أبالي بالخطر ... أنا ذاهب الآن لأعد رجالي وأرجو أن نلتقي جميعا في قصر بابك غدا.» قال ذلك وتضاحك مكشرا عن أسنانه كما يكشر الأسد إذا هم بالوثوب. وكان الغضب واليأس قد زادا وجهه هيبة وقوة فازداد شارباه وقوفا وحاجباه خشونة وعيناه بريقا وحدة حتى تهيب الأفشين النظر إليه والتفرس في عينيه فقال له: «لو كان لنا عشرة مثلك لفتحنا البذ من زمن بعيد.» أراد بذلك أن يثبته في عزمه وهو على يقين أنه لا يستطيع تجاوز التل إلى السور لما وضعه بابك هناك من آلات الدفاع الخطرة فضلا عن الكمناء. وأغرب من هذا أن ضرغاما ودع الأفشين ليذهب ويتهيأ للهجوم وهو لا يعرف شيئا عن الطريق ولم يسأل عنه. وقد فرح الأفشين لذلك؛ لأن جهله الطريق يؤكد فشله.
فخرج ضرغام وهو يقول للأفشين: «غدا نلتقي هناك.» وأشار بيده إلى قصر بابك، والأفشين يهش له حتى إذا توارى عن الخيمة لقيه وردان فماشاه وسأله: «ما الذي استقر الرأي عليه؟»
قال: «الليلة نهاجم البذ.» قال: «من أين؟»
قال: «نأتيه أنا والفراغنة من وراء ذلك التل حتى ندخل من الباب الغربي وبجانبه قصر بابك، فنكون أول من يدخله أو نموت تحت الأسوار.»
فوقف وردان والتفت إليه وقال: «هل تعرف الطريق إلى التل؟»
قال: «لا ... لا أعرفه ... ولكن ...»
قال: «ولكن ماذا؟ إنه طريق طويل يبغي لسالكه أن يسير من وراء التل مسافة تستغرق ساعات حتى يأتي إلى سفحه تجاه السور.» وكأنه نبه ضرغاما فقال له: «وهل تعرف الطريق أنت يا وردان؟» قال: «نعم أعرفه.»
Неизвестная страница